كان جون كينيدي المرشح للرئاسة يعارض بشدة استخدام القوة لإسقاط نظام فيدل كاسترو، خصوصاً عن طريق المنفيين الكوبيين في فلوريدا. وعندما وصل إلى الرئاسة استطاع زعماء المنفيين إقناعه بأنهم قادرون على إسقاط كاسترو بقدر قليل من المساعدة الأميركية. فما أن يعرف الكوبيون في الداخل أن المنفيين بدأوا الهجوم حتى يهبون صفاً واحداً للانتفاض على النظام.
سمي ذلك الهجوم «خليج الخنازير». وهب نحو 250 ألف كوبي لمقاتلة فرقة من المنفيين لا تزيد على 1500! وقال يومها الدبلوماسي الأميركي الشهير، دين اتشيسون، «لسنا في حاجة إلى شركة محاسبة لكي نعرف أن 250 ألفا يهزمون 1500». كانت تلك أول هزيمة تتعرض لها أميركا في العالم الثالث. وظهرت للمرة الأولى كدولة امبريالية بعدما كانت تندد بالاستعمار الأوروبي. وعندما خسرت معركة «خليج الخنازير»، كانت فرنسا قد خسرت حربها الاستعمارية في فيتنام وغرقت في حرب الجزائر، وبدأ الاستعمار الأوروبي يخسر في كل مكان.

بعد حوالي 40 عاماً قاد جماعة من المنفيين جورج بوش إلى العراق. وكانت أميركا تجر خلفها سلسلة من الهزائم في العالم الثالث، بدأت من كوبا وامتدت إلى فيتنام والصومال. ولا أدري من جرَّ الأميركيين إلى بغداد، هل كان صدام حسين الذي أثار أعصاب النسر الاميركي عاماً بعد آخر، أم مجموعة المنفيين بقيادة احمد الجلبي، الذي أقنع البيت الأبيض الديمقراطي ثم الجمهوري بأمرين؛ الأول وجود أسلحة دمار شامل، والثاني أن العراقيين سوف يهبّون لاستقبال الفاتح الاميركي بمجرد أن يطل على بغداد.

إلا أن الفاتح الاميركي وجد في استقباله «الأفغان العرب»، والعراقيين الذين سرحهم من الجيش، والمحكومين الذين أفلتهم صدام حسين من سجن أبو غريب. وكان يتوقع دعماً من مضطهدي ومُعذَبي النظام، فاكتشف أن بول بريمر جعله يتخبط في بلد لا جيش فيه ولا شرطة ولا حتى أساتذة مدارس يدعون الطلاب إلى الصفوف.

وبالمقارنة لا تبدو كارثة «خليج الخنازير» شيئاً مع السنوات الثلاث الماضية في العراق. فعلى الأقل هاجم كينيدي جزيرة تقع على بعد 75 ميلاً عن سواحله، ونظاماً يستقبل الصواريخ السوفياتية العابرة للقارات. أما العراق فهو على بعد آلاف الأميال. ويبقى التذكير بأن أميركا كانت قد دعت كاسترو إلى زيارتها قبل معاداته. وكانت قد دعمت «طالبان» قبل أن تشن الحرب عليها. وكانت قد دعمت صدام حسين قبل أن تكتشف فيه كاسترو آخر وملا عمر آخر. طريق طويل من هافانا إلى بغداد بين صداقات أميركا وعداواتها.