لم تنته حياة شارون السياسية رغم غيبوبته لأن "كاديما" حقق الانتشار الجديد للصيغة السياسية في مرحلة "الشرق الأوسط الكبير". فإذا كان السياسة الإسرائيلية تتفاعل اليوم داخليا محاولة طمس الملامح القديمة لها، فإن السياسات العربية في "صحوتها" تحاول تلميع الماضي عبر أروقة الاجتماعات في القمم العربية، وهذه المفارقة جعلتها ضمن الصفحة الثانية حتى في التغطية الإعلامية العربية، التي حضرت نفسها جيدا لحدث خاص في فلسطين، ولشأن "استثنائي" في "رمزيته" هو القمة العربية.

وإذا كانت القمة العربية تفتقر للحيوية فهي في نفس الوقت نموذجا واضحا لـ"زمن" انتهى، ولم تتبدد معه الرغبة في استمرار التقليد "السياسي" وإدمان بريق الحدث أو حتى ممارسة "الفعل التاريخي". فالقمة لا ذنب لها لأنها الآلية الوحيدة التي يمارسها كل السياسيين سواء للتواصل أو لرسم السياسات، وهي عندما تحمل لاحقة العربية تصبح حدثا لتصدير المواقف أو لرسم المجهول على مستقبل المجتمعات التائهة ما بين ماضيها و .... ماضيها.

ربما ما نحتاجه داخل أروقة الاجتماعات مزيد من "الضجيج" ... من تفجير الرغبة بدفن العصور القديمة وكتابة الحياة بألوان يتم اختراعها من وحي التحدي الذي يرسمنا اليوم على هامش الحياة كمجتمعات استقالت من الانفعال والتفاعل ودخلت في فصامها مع الحلم الذي يراودها.

مسألة القمة العربية ليست في حجم القرارات، ولا في تصدير المواقف لأنها لا يمكنها البناء على رماد الماضي، بينما تصر الثقافة الحاضرة على اعتبار التاريخ حياة مستمرة ... فما نتوقعه من القمة هو بالضبط ما يأتينا، وهي ليست أقل من طموحنا، ولا مخيبة لآمالنا، لأنه على ما يبدو فإن آمالنا هي مريضة، وهي تحلم بمعجزة يأتي بها القادة من غياهب المجهول، أو بتنزيل يأتي فجأة من العزيز القدير.

عندما نستطيع التحرر من أنفسنا يمكن لقرارات القادة العرب أن تكون فاعلة ... وعندما نكون قادرين على نقد التفكير الذي أنتج تكويننا السياسي وجعلنا نحلم باستعادة زمن "هارون الرشيد" فإن القمة ستعود لطبيعتها شكلا لإنتاج الآليات السياسية، وليست حدثا دائما في زمن طارئ يريد قلب عجلة التاريخ وإنتاج المستقبل على قياس تفكيرنا الذي انتهت صلاحيته ... وهنا فعلينا أن لا نسأل ما الفرق في الحدثين: الانتخابات الإسرائيلية .... والبحث في المجهول الذي حدث بالأمس في الخرطوم!!