لعدة عقود خلت، وخصوصا منذ حرب 1967، طغت العلاقة مع إسرائيل على كل سياسات أميركا في الشرق الأوسط. وقد أدى مزيج من الدعم المطلق لإسرائيل ومحاولات نشر «الديمقراطية» في المنطقة، إلى اشتعال المشاعر العربية والإسلامية، ولم يؤذ فقط الأمن الاميركي بل الكثير من أمن العالم. لماذا قررت الولايات المتحدة أن تهمل أمنها وأمن الكثيرين من حلفائها، من أجل مصالح دولة أخرى؟ إن المرء قد يعتقد أن العلاقة بين البلدين تقوم على مصالح استراتيجية مشتركة وشروط أخلاقية ملزمة، لكن حتى هذا لا يفسر مستوى الدعم المادي والمعنوي الهائل الذي تقدمه الولايات المتحدة.

غير أن الحقيقة هي أن اندفاع السياسة الأميركية في المنطقة ينبثق كليا تقريبا من سياسات داخلية، وخصوصا بتأثير من نشاطات اللوبي الإسرائيلي. منذ حرب أكتوبر 1973 وفرت أميركا لإسرائيل مستوى من الدعم تقزم أمامه أي دعم لدولة أخرى. إنها تتلقى منذ العام 1976 أكبر كمية من المساعدات الاقتصادية والعسكرية سنويا، بلغت حتى الآن نحو 140 مليار دولار. وتنال إسرائيل مساعدة مباشرة حجمها 3 مليارات دولار كل عام، أي خمس حجم المساعدة الخارجية. وهذا الكرم مثير للدهشة خصوصا أن إسرائيل الآن دولة صناعية يعادل الدخل القومي فيها دخل الفرد في إسبانيا أو كوريا الجنوبية. وهي المتلقية الوحيدة التي لا تسأل عن كيفية صرف ما تتلقى، بحيث يستحيل منعها من وضع المال حيث يحظر القانون الأميركي، مثل بناء المستعمرات في الضفة الغربية. وفوق ذلك فإن أميركا تزود إسرائيل معلومات سرية تحجبها عن حلفائها الأطلسيين، كما أنها أدارت أذنا صماء إلى حصول إسرائيل على السلاح النووي.

منذ 1982 استخدمت واشنطن حق الفيتو 32 مرة ضد مشاريع قرار تنتقد إسرائيل، أي أكثر من مجموع الفيتو التي استخدمها جميع أعضاء مجلس الأمن الآخرين. وهي تعرقل جهود الدول العربية لوضع قضية السلاح النووي الإسرائيلي على جدول أعمال الوكالة الذرية. وتهب أميركا لإنقاذ إسرائيل في الحرب ثم تقف إلى جانبها خلال مفاوضات السلام. ووصف مسؤول أميركي دور بلاده في محادثات كامب ديفيد الأخيرة بقوله: «كان ذلك دور محامي إسرائيل». وأخيرا فإن طموح إدارة بوش من تغيير الشرق الأوسط هو تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي.

لقد أظهرت حرب الخليج الأولى إلى أي مدى أصبحت إسرائيل عبئا استراتيجيا. فلم يكن في إمكان أميركا أن تستخدم قواعد في إسرائيل من دون أن تدمر التحالف المضاد للعراق. كما تعين عليها تحويل بعض مقدراتها العسكرية (صواريخ باتريوت) لحماية إسرائيل. منذ بداية التسعينات، وحتى بعد 11/9 يبرر الدعم الاميركي بأن سببه الخوف من المنظمات الإرهابية في العالم العربي والإسلامي، ومن «الدول المارقة» التي تدعم هذه الجماعات وتسعى للحصول على أسلحة دمار شامل. ويعني ذلك ليس فقط إطلاق يد إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين إلى أن يتم قتل جميع الإرهابيين أو قتلهم، بل أيضا أن على أميركا أن تطارد إيران وسورية!

كل ما تقدم أعلاه، مأخوذ من التقرير المذهل الذي وضعه الأستاذان جون ميرشايمر وستفن والت، من جامعتي هارفارد وشيكاغو، حول نشاط اللوبي الإسرائيلي. ولا أذكر أنني قرأت في حياتي شيئا في هذه الأهمية في هذا الباب. ولذلك يقض المضاجع في أميركا وإسرائيل. وقد يتحول إلى أهم وثيقة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، من دون أن يكون للعرب يد أو بنصر في ذلك..