لم تكن المصادفة وراء لقاءين منفصلين وخلال ساعات قليلة للرئيس المصري حسني مبارك في شرم الشيخ مع كل من رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ونائب الرئيس السوري فاروق الشرع، كما لم تكن وراء لقاءين مماثلين في الرياض للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز مع كل من السنيورة والشرع. بدا واضحا ان حركة سعودية مصرية ناشطة ليس فقط بين لبنان وسوريا لرأب الصدع بينهما واصلاح ذات البين، بل ايضا في اطار دعم مسيرة الحوار الوطني ومساعدة لبنان على مواجهة تداعيات المرحلة التي اعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ولأن ثمة عناوين كثيرة على جدول اعمال الحوار ومتفرعاته ذات صلة مباشرة بالبند المتعلق بالعلاقات اللبنانية – السورية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تثبيت لبنانية وحدود مزارع شبعا ومعالجة التجمعات المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية والتي تخصّ "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" الموالية لدمشق. وحتى ملف رئاسة الجمهورية لا يمكن ان يناقش في معزل عن العاصمة السورية من اكثر من زاوية: فالرئيس لحود لا يمكن ان يقدم على خطوة في حجم التنحي دون التشاور مع دمشق اقله من باب الوفاء لمن كان وراء قرار التمديد له نصف ولاية.

وثمة من يذهب بعيدا اذ يرى ان خطوة من هذا النوع لا يمكن ان تتم الا بايعاز من دمشق. والى كل ذلك، ثمة اجماع في لبنان على ان علاقات غير صحية بين لبنان وسوريا، تنعكس ضررا على البلدين والشعبين، وان الامر الطبيعي هو السعي الى اعادة بناء العلاقات بين البلدين و"تطبيعها" على اسس متينة وواضحة قائمة على التوازن والاحترام المتبادل، بل علاقات "نديّة" والكلمة للرئيس فؤاد السنيورة الذي طالما رددها مرفقة بعبارة ان "على اللبنانيين ان يبدأوا بالتعود على ادارة شؤونهم بأنفسهم وعلى السوريين ان يبدأوا بالتعود على ان لبنان دولة مستقلة خارج الوصاية".

ويروى ان السنيورة وخلال زيارته دمشق فور نيل حكومته الثقة في مجلس النواب والتي التقى خلالها الرئيس بشار الاسد ونظيره السوري محمد ناجي العطري لاحظ ان في العاصمة السورية من توقف عند كلمة "ندية"، لعله لمس فيها شيئا من التحدي، فما كان من السنيورة الا ان سارع الى القول: "يا سيدي متوازنة. لا مشكلة".

ومنذ تلك الزيارة الوحيدة واليتيمة، والاتصالات الرسمية بين الدولتين شبه مقطوعة، باستثناء بعض "الاختراقات"، والمتمثلة باتصال هاتفي من هنا او هناك، او بدعوة "مفاجئة" كتلك التي وجهها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى نظيره اللبناني فوزي صلوخ فور اعلان السنيورة العزم على زيارة دمشق! وليس سرا ان الاتصالات لم تنقطع يوما بين قصري بعبدا والمهاجرين وان كانت في معظمها ذات طابع شخصي لم تقدم ولم تؤخر في السياسة وفي ما آلت اليه العلاقات بين البلدين.

تشجيع سعودي واستعداد سوري

وسط هذه الاجواء، وبعد قرار هيئة الحوار الوطني دعم استئناف الاتصالات اللبنانية – السورية على مستوى الحكومتين للتشاور في الشؤون "ذات الاهتمام المشترك" ولا سيما منها ما يتعلق بقرارات اتخذها المتحاورون ويتطلب تنفيذها مثل هذه الاتصالات – وكان الرئيس السنيورة من المتحمسين للخطوة وابدى استعداده لزيارة دمشق ثانية – وخلال زيارته الاخيرة للرياض سمع السنيورة تشجيعا سعودياً على المضي في هذا الاتجاه، وذلك بعد حض كل من لبنان وسوريا على استئناف الاتصالات تمهيدا لاعادة تطبيع العلاقات. واستنادا الى مصادر واسعة الاطلاع فان الرياض كانت تستند الى تعهد سوري للتعاون لتنفيذ ما اتفق عليه "اللبنانيون" بالاجماع ولا سيما في القرارات التي صدرت عن هيئة الحوار ولا يمكن تحقيقها دون تجاوب سوري ومنها: ترسيم الحدود ومنطقة مزارع شبعا وتثبيت لبنانيتها، تبادل التمثيل الديبلوماسي بين لبنان وسوريا، رفض اي سلاح خارج المخيمات الفلسطينية.

الى ذلك كان المسؤولون السعوديون مشجعين على سفر السنيورة الى الخرطوم حيث القمة العربية. بل ربما كانوا وراء قرار سفره. وها هو اللقاء مع الرئيس بشار الاسد بدا وكأنه يؤكد ذلك. توجه السنيورة الى الخرطوم لا ليشارك في جلسة افتتاح القمة بل ليستفيد من اوسع مروحة اتصالات على مستوى القادة العرب سعيا لتأمين اوسع رعاية عربية لمتابعة تنفيذ ما اتفق عليه في جلسات الحوار ولا سيما في شقه السوري، علما ان المؤتمر الاخير لوزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة تحضيرا لقمة الخرطوم وضع بند ترسيم الحدود في مزارع شبعا ضمن توصياته الرسمية. كان من الطبيعي ان يتجنب السنيورة حضور جلسة افتتاح القمة المنقولة على الهواء مباشرة، لأكثر من سبب واعتبار. فهو "لم يذهب الى القمة لكي يتصور ومن اجل الشكليات" كما تقول مصادر "تحالف الاكثرية النيابية" مضيفة انه "ذهب لتشكيل لوبي عربي لدعم لبنان ولدعم التجاوب السوري معه وقدبدا ذلك من خلال اللقاءات المكثفة للرئيس السنيورة مع ملوك ورؤساء عرب في الخرطوم".

وتلفت المصادر نفسها الى ان تحرك السنيورة "يأتي بعد تنازل كبير من تحالف قوى 14 آذار ومن اللبنانيين، عموما ومن عائلة الحريري وذلك عندما وافق سعد الحريري في مؤتمر الحوار الوطني على فصل العلاقة مع سوريا عن ملف التحقيق الدولي".

مهما يكن فان السنيورة تمكن امس وفي وقت قياسي من تسجيل اوسع مروحة اتصالات في العاصمة السودانية لعل ابرزها اللقاء المفاجىء مع الرئيس السوري بشار الاسد. فهل تثمر هذه اللقاءات "تجاوبا" مع لبنان ومؤازرة له في مواجهة التحديات الكثيرة التي تواجهه؟ وهل يقوم السنيورة بـ "اجتياح محبة" آخر لسوريا قريبا؟