انخفاض مستوى التمثيل في قمة الخرطوم ليس الاول من نوعه. فالقمم العربية السابقة شهدت انخفاضاً وغياباً فاق ما حدث في القمة الحالية، بل ان قمة عمان التي عقدت عام 1980 شهدت غياب نصف الدول العربية عن الحضور، ناهيك عن ان انخفاض مستوى التمثيل كان ولا يزال أهم سمة للقمم العربية وباتت المحافظة عليها جزءاً من ثقافة العرب السياسية، فضلاً عن ان غياب الزعماء عن تمثيل دولهم لا يعبر عن توجهات سياسية بقدر تعبيره عن ظروف خاصة جداً للزعماء وعلاقاتهم ببعضهم بعضاً، ولو تأملنا الاسماء التي غابت عن القمة لوجدنا ان لكل زعيم ظروفاً معروفة منعته من الحضور، ولهذا فإن مشكلة قمة الخرطوم ليست انخفاض مستوى التمثيل وانما عجز العرب عن مواجهة استحقاقات القضايا المطروحة على طاولتها.

قمة الخرطوم تواجه ثلاث قضايا اساسية تشكل تحدياً للعمل العربي المشترك، وتهدد من جديد تماسك الاجماع العربي وعدم قدرته على اتخاذ موقف موحد حيالها. فالحوار الاميركي – الايراني في شأن العراق وما يعنيه من تهميش للدور العربي، وتزايد نفوذ ايران في هذا البلد. وثانياً اتخاذ موقف واضح من حكومة حماس ودعم خيار الشعب الفلسطيني وما يعنيه هذا الدعم من مواجهة للتوجهات الاميركية والاوروبية. واخيراً الحيرة العربية من التعاطي مع مشكلة العلاقات بين سورية ولبنان. ثلاثة ملفات كلها تفتقد الحد الادنى من التوافق حولها، فالعرب غير متفقين على آلية لمواجهة مشروع الحوار الاميركي - الايراني، فرفضه يعني مواجهة اشنطن، وقبوله تنازل طوعي عن دور عربي محتمل في العراق، وينقسم العرب في هذه القضية الى طرفين الاول يتماهى مع الرغبة الاميركية ويرى ان الدور العربي سيكون حاضراً من خلال المشاركة العراقية في هذا الحوار، والثاني يعتقد ان الوجود العراقي في هذا الحوار لا يمثل كل اطياف العراق، وربما تم على حساب سنة العراق، وبالتالي فهو لا يعبر عن المصالح العربية، لكن هذا الفريق متردد في الجهر بهذه الرغبة، وان شئت التعبير عنها، فالاعلان عن هذه الرؤية بهذه الطريقة قد يفهم منه خطأ ان المصلحة العربية لا تكترث إلا بمصالح السنة تحديداً، او ان السياسة العربية الرسمية سنية الهوى والتوجهات.

الموقف من حكومة حماس كان الاقل تعقيداً وحساسية في هذه القمة، فمعظم العرب يميل الى عدم تأييد البرنامج السياسي لحركة حماس خشية اتهامة بدعم الارهاب، ويجد ان الموافقة على دعم السلطة الفلسطينية وتأمين احتياجات الشعب الفلسطيني يعفيه من اتخاذ موقف سياسي ولو محايد من توجهات حماس، فضلاً عن ان الجميع في هذه القمة متفق على معاودة طرح المبادرة العربية للسلام وتوجهات حماس السياسية لا تتفق مع هذه المبادرة، وبالتالي فإن عدم تأييد حماس ينسجم مع «الاجماع» العربي في قضية السلام، ويعفي المؤتمرين امام شعوبهم والشعب الفلسطيني من تأييد خيار الشعب الفلسطيني، اضافة الى ان هناك قناعة شبه عامة بين الانظمة السياسية في العالم العربي بأن الشعب الفلسطيني لم يصوت لحماس من اجل دوافع سياسية تتعلق بالسلام او المقاومة، وانما من اجل رغبة هذا الشعب في وقف الفساد وتغيير الادارة المحلية.

اما الموقف العربي من العلاقات السورية – اللبنانية فيعاني من الالتباس، فالوقوف الى جانب سورية امام الضغوط الاميركية والدولية قد يفضي في نظر بعض الحكومات الى رفض القرار الدولي 1559، وربما يوصل الى «دعم الارهاب» حسب التفسير الاميركي. والوقوف مع لبنان سيفسر بأنه تأييد الحملة على سورية، ولهذا تحاشى الجميع طرح هذه القضية على جدول اعمال القمة تفادياً للحرج الدولي والعربي، رغم ان الازمة بين سورية ولبنان تجاوزت بتداعياتها خلافات الاشقاء التي اعتادت القمم العربية معالجتها في الردهات وبالزيارات الليلية بين الوفود. وتحولت المشكلة بين لبنان وسورية، او كادت، الى بوابة لأزمة اقليمية تتجاوز السوريين واللبنانيين. ولعل سعادة وسائل الاعلام العربية بالمصافحة بين الرئيس بشار الاسد ورئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة وكأنها مصافحة بين الرئيس السوري والرئيس الاسرائيلي وتعكس حجم القطيعة التي وصلت اليها العلاقات بين البلدين.

الأكيد ان قمة الخرطوم استحقت ان تكون قمة عربية بأمتياز، فهي تجاهلت القضايا المهمة، وفشلت حتى في لعب دور المصالحة، فضلاً عن المواجهة، ونقلت الينا حجم التغير والضعف والتفكك الذي اصاب السياسية العربية. فالمقارنة بين آخر قمة عقدت في الخرطوم عام 1967، والقمة الاخيرة يكشف بوضوح ان ما يسمى بالعمل العربي المشترك يعيش سنواته الاخيرة، ولعل زهد العرب بمنصب الامين العام، وعدم طرح مرشحيهم لمنافسة عمرو موسى على المنصب، كما كان يحدث سابقاً، مؤشر لا يكذب الى ان العرب اسقطوا العمل الجماعي من حسابهم، واستطراداً اسقطوا الجامعة العربية من اهتمامهم.