بين النفي السوري للقاء الرئيس الأسد بالرئيس السنيورة الا بشكل عابر واعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان لبنان في حاجة الى قانون انتخابات لبدء الإصلاح وانتاج “ممثلين حقيقيين”, أكثر من إشارة الى ان ملف العلاقات اللبنانية ــ السورية سيبقى شائكاً حتى اشعار آخر, بل ان هذه العلاقات ستبقى رهن الحذر المتبادل بين الأكثرية النيابية والحكومية اللبنانية وبين دمشق التي كانت أول من وصّف هذه الأكثرية بأنها “دفترية”.

حتى الآن لا تزال الوساطات العربية لانعاش العلاقات اللبنانية ــ السورية تراوح مكانها مع انه تم التوافق عربياً وعلى طاولة الحوار اللبناني على فصل موضوع العلاقات عن التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. وإذ يبدو ان تقرير براميرتس لا يشغل بال دمشق خصوصاً ان الرئيس الأسد جدد قبل يومين تأكيده براءة دمشق من دم الرئيس الشهيد, فإن ما ترى نفسها معنية به في لبنان لا يزال أوسع من علاقات ثنائية تقام على أساس ندي وأكبر من اهتمام إقليمي عادي. ففي الشعور بالمرارة السوري نوع من الفطام القسري عن نمط من العلاقات ساد على فترة عقود من التدخل والتداخل لكن فيه نوعاً من الاصرار على عدم الاقرار بتقلص النفوذ ما دام الخيار الاستراتيجي لا يزال استخدام ما تبقى من أوراق في مواجهة إسرائيل وما دام حلفاء دمشق في لبنان يستطيعون بعد “عودة الروح” والانتعاش ضمان مقدرتها على ممارسة التأثير وتأمين بقاء لبنان في قلب الصراع.

“شبعا لا سورية ولا لبنانية, انها أرض محتلة” هكذا يقول وليد المعلم. وهو بهذا الوصف “الدقيق” لا يعارض فقط أكثرية “14 آذار” التي لا يعترف بشرعيتها والتي وصل بعض اطرافها الى حد اعتبار شبعا غير لبنانية ومبرراً لاستمرار الوصاية عبر بقاء سلاح “حزب الله”, بل انه يطيح ساعات الحوار الطويلة التي جرت في مجلس النواب وخلصت الى ان المزارع “لبنانية” لكنها في انتظار التوقيع السوري لاجراءات روتينية لا تقرّ الأمم المتحدة بديلاً منها لإثبات السيادة عليها.

والمعلم يعلم بالطبع ان كل قضايا الخلاف المطروحة في لبنان لن تجد سبيلها الى الحل, لو توافق عليها كل اللبنانيين بلا استثناء, اذا لم تكن دمشق طرفاً مسهلاً لها او متعاوناً على الأقل من موقع الحياد. اما إشارة المعلم الى قانون الانتخابات بصفته المدخل الى تمثيل حقيقي وشفاف ونقطة الانطلاق الواجبة في الحوار، ففيها بالطبع وجهة نظر سديدة لولا انها تغفل تحديات أخرى يمكن ان تسبقها في جدول الأولويات الوطنية اللبنانية وبينها على الخصوص شبعا التي حصر هويتها الواضحة حالياً بــ”الاحتلال” والتي ترتبط بحل اشكاليتها “خريطة طريق”استعادة لبنان دولته الكاملة الأركان، ثم إقامة العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسورية بالتوازي مع تغيير رئيس الجمهورية الذي هو, على الأقل, رمز مرحلة يرغب لبنانيون كثيرون في تجاوزها للبدء بأمل جديد في البناء.

لا مشكلة في ان يعطي الوزير المعلم رأيه في أولويات الحياة السياسية في لبنان. ولا يجب ان تشكل عقدة لدى اللبنانيين ان تكون لوزير الخارجية السوري او لغيره وجهة نظر في قانون الانتخابات، مع ان نظيره فوزي صلوخ لن يتصرف بالمثل لو سئل عن أي شأن سوري داخلي. فالمعلم بحصافته المعروفة لم يقصد حتماً الايحاء بــ”قانون المعلم” للانتخابات, فهو أكثر العالمين ان اللبنانيين وبينهم حلفاء دمشق ورئيس الجمهورية بالذات لا يزالون يتندرون بــ”قانون غازي كنعان” ويصرون على ان يعلنوا منه البراء... انها مجرد وجهة نظر، فلتكن قابلة للأخذ والعطاء ومدخلاً الى حوار.