توفي المعلم أسعد يوسف عن 112 عاماً. ويبلغ معدل الأعمار في قريتي 110.8 عام. وعندما توفي قبل عامين زميله ومنافسه وصديقه، المعلم يوسف أسعد، عن 104 نعي تحت عنوان «المأسوف على شبابه». والمعلمان، أسعد يوسف ويوسف أسعد، كانا في جيلهما أول من خرج من تعب العمل في الحقول وانتظار المواسم الطويل. وبرغم أن لا ود يجمعهما ولا صداقة، فقد اختار كل منهما العمل في النجارة، واشترى كل منهما عدة بسيطة محدودة وأعلن نفسه نجاراً. لكن من أين بالأشغال؟ فالقرية صغيرة والبيوت محدودة والموازنات أكثر محدودية. ولذلك نشرت الكلمة في المنطقة برمتها: لأعمالكم الخشبية، اعتمدوا اسعد يوسف أو يوسف اسعد. وكانت القرى تعتمد الأسماء الثنائية لا الثلاثية، لأنها مؤلفة من عائلتين أو ثلاث. ولذلك جرى التميز باسم الأب. وهكذا أيضا تميز أسعد يوسف سلامة عن يوسف اسعد سلامة. أما في النجارة فقد تقاربت مهارة المعلم أسعد مع مهارة المعلم يوسف. وكانت لكليهما أخطاء بسيطة جداً: يوسف كان يخطئ في قياسات الطول، وأسعد كان يخطئ في قياسات العرض. أسعد كان يجعل الزجاج أكبر من إطار النافذة، ويوسف كان يجعل الإطار الخشبي أكبر من النافذة. لكن كلاهما اتفق على الخطأ، بالطول وبالعرض، في قياسات الأبواب.

ومع أن كليهما عمل في مهنته أكثر من 50 عاماً، فلم تكن هناك تحف كثيرة موقعة باسم يوسف أو أسعد. غير أن شيئاً ظل ثابتاً مدى العمر المديد: لقب «المعلّم». ويقضي التهذيب في القرى ألا ينادي أحد أحداً باسمه الأول: أبو فلان! لكن من كان ماهراً ومعلماً في مهنته، ارتفع مقامه في المخاطبة من «أبي» فلان إلى «المعلّم» فلان. وكان في القرية معلمون في البناء وفي التدريس للصغار، غير أن أكثر الألقاب وقاراً كانت المعلم يوسف والمعلم اسعد. الأول فرض لقبه وهيبته بالتمنع عن الابتسام، وأحيانا عن التحية. والثاني فرض اللقب بميزات معاكسة تماماً. وكان يتمشى في القرية وهو يضع فوق أذنه قلم رصاص، كأنه عائد للتو من ورشة كبرى. وأحيانا كان يتظاهر أن «ماسورة» القياس وقعت منه في الساحة، فيلتقطها بسرعة، كأنه ذاهب لإكمال بناء «الامباير ستيت».

حدث مرة أن عائلة بسيطة انتقلت من القرية إلى صيدا. وبعد عمل شاق بنت لنفسها بيتاً صغيراً على مدخل المدينة. وعندما حانت مرحلة «النجارة» في الأبواب والشبابيك، قررت العائلة تلزيم العمل «للأهل». أي المعلمين يوسف أسعد وأسعد يوسف. وعند موعد التسليم والتركيب حضر المعلمان معاً، تشديداً على التعاضد وعدم الغيرة. وبدأت عملية التركيب، فاكتشفت العائلة أن الأول أخطأ في الطول والثاني أخطأ في العرض، وكان الجميع فقراء. فجلسوا يبكون.