تقول اوساط سياسية مراقبة ان ما حصل في الخرطوم بين الرئيس اميل لحود والرئيس فؤاد السنيورة وانعكس سجالاً في جلسة مجلس النواب ثم مشادة معيبة لم يشهد لبنان مثيلاً لها في مجلس الوزراء، مما يؤكد ان لبنان عاد ساحة مفتوحة لصراع اقليمي – دولي يخشى ان يدفع ثمنه مرة اخرى، خصوصاً ان سوريا هي في قلب هذا الصراع وتحاول تغيير الوضع الذي نشأ بعد انتفاضة الاستقلال والعودة به الى ما كان عليه قبل 14 آذار.

وتضيف الاوساط نفسها انه رغم تكرار المطالبة الاميركية الى النظام السوري بأن يغير سلوكه وطريقة تعاطيه ولبنان ودعوة الرئيس جورج بوش في خطابه الاخير الرئيس بشار الاسد الى "عدم عرقلة تطور الديموقراطية في لبنان" وقوله: "ان من الصعب على السوريين التخلي عن دولة كانوا يمسكونها في شكل خانق"، ورغم مطالبة دول عربية وتحديداً مصر والسعودية الرئيس السوري بأن يتعاطى ولبنان كدولة سيدة حرة مستقلة من اجل التوصل الى افضل العلاقات بينهما، فإن النظام السوري لم يأبه لكل هذه المطالبات والدعوات لاطمئنانه الى بقائه كون الولايات المتحدة تحاذر تغييره مخافة ان تحدث فوضى جديدة في المنطقة في وقت تعاني عواقبها في العراق، ولان دولاً عربية تخشى اذا ما تغير النظام السوري ان تسري عدوى التغيير الى الانظمة فيها. لذا تفضل ابقاء هذا النظام مع السعي الدؤوب الى جعله يغير سلوكه، علماً ان لكل نظام سلوكه الذي يصعب تغييره، مما جعل النائب وليد جنبلاط يرى ان نظام غير ديموقراطي في سوريا لا يمكنه ان يتعايش مع نظام ديموقراطي في لبنان، وبالتالي يدعو الى عدم الرهان على تغيير في سلوكه ومواجهة معادلة اما تغيير ذاك النظام واقامة نظام ديموقراطي مكانه، واما سقوط النظام الديموقراطي في لبنان.

ولا يرى جنبلاط ان ثمة املاً في اقامة علاقات طبيعية بين لبنان وسوريا، او تقدما في الوضع اللبناني في ظل النظام السوري الذي خرج عسكرياً من لبنان ولا يزال موجوداً فيه عبر الحدود المفتوحة وتسلل الاسلحة و"الارهابيين" وعبر منظمات فلسطينية حليفة وحلفاء لبنانيين ابرزهم "حزب الله"، وعبر ولاءات لا تزال لهذا النظام داخل الاجهزة الامنية التي اخترقها في الاعوام الثلاثين المنصرمة، وعبر انقسامات وتناقضات سياسية في مجلس الوزراء وفي الحكم بفعل الحلف القائم بين لحود و"حزب الله".

هذا الانقسام الداخلي في لبنان على كل المستويات يشجع النظام السوري على مواصلة تدخله في شؤون لبنان الداخلية، خصوصاً بعدما اعطى الرئيس الاسد اشارة الى هذا التدخل عندما وصف في خطاب له الاكثرية الحالية بأنها "اكثرية عابرة" ثم وصفها حلفاؤه في لبنان بأنها اكثرية موقتة او وهمية، وبدأوا حملة هجوم مضاد عليها للانتقال من موقع الدفاع الى موقع الهجوم على هذه الاكثرية وعلى قوى 14 آذار واضعين لبلوغ اهدافهم "سيناريوات" عدة منها:

اولاً - محاولة تفجير الحكومة من الداخل اما لخلاف على مصير سلاح "حزب الله" او لاي سبب آخر بعدما بدأت هذه المحاولة في قمة الخرطوم بين الرئيس لحود والرئيس السنيورة، وكانت لسوريا يد فيها، وذلك بتصوير الرئيس السنيورة ضد المقاومة، وانه انقلب على ما تضمنه البيان الوزاري. مع ان الرئيس السنيورة اراد ان تكون المقاومة شمولية بمعناها الصحيح وبحماية كل اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم لتكون قوية وفاعلة، وليست فئوية تثير الانقسام.

وقد افاد الوفد السوري من وجود اكثرية من الرؤساء العرب في قمة الخرطوم متعاطفة مع الموقف السوري، ليمرر في البيان الختامي العبارة التي صاغها عن المقاومة بقصد تغليب رأي الرئيس لحود على رأي الرئيس السنيورة متجاهلاً ان النظام في لبنان ليس نظاماً رئاسياً يحق فيه لرئيس الجمهورية التفرد في اتخاذ المواقف، بل هو نظام برلماني جمهوري ديموقراطي يفرض التعاون والتنسيق بين السلطات توصلاً الى اتخاذ موقف موحد من القضايا المهمة.

وتنتظر سوريا، بالتنسيق والتعاون مع من تبقى من حلفائها في لبنان، الوقت المناسب لتوعز الى وزراء "التحالف الشيعي" بالانسحاب من الحكومة وايضاً بانسحاب الوزراء المحسوبين على الرئيس لحود لفرض الاستقالة عليها او العودة الى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء من اجل شل عمل المؤسسات وتحميل الحكومة المسؤولية بغية ان يثير ذلك نقمة الناس وتضغط عوامل اقتصادية ومالية ومعيشية على الحكومة فتضطر الى الاستقالة تحت ضغط الشارع، ويصبح تشكيل حكومة جديدة امرا مفروضا للخروج من الازمة وتكون حكومة مؤيدة ومدعومة من سوريا، ومع حكومة كهذه يصبح ممكنا التوصل الى اتفاق على مواضيع مزارع شبعا وسلاح المقاومة والتمثيل الديبلوماسي، كما يصير في الامكان الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية مقبول من سوريا ومن الرئيس لحود ومن قوى 8 آذار ومن العماد ميشال عون، وحتى من بعض قوى 14 آذار.

ثانيا – في حال عدم التوصل الى ترحيل الحكومة، تسعى سوريا بالتعاون مع من تبقى من حلفائها في لبنان الى انتخابات نيابية مبكرة بعد وضع قانون جديد للانتخابات او حتى على اساس قانون الـ2000 املا في ان تسفر عن فوز اكثرية جديدة موالية بمعظمها لدمشق، فيسهل عندئذ انتخاب رئيس جديد للجمهورية ولاؤه لها. واذا رفضت الاكثرية النيابية الحالية تقصير ولاية المجلس، والمشاركة بالتالي في اي حكومة جديدة اذا ما نجحت سوريا وحلفاؤها في لبنان في ترحيل الحكومة، فان ثمة من يقترح استقالة نواب الاقلية لارغام الاكثرية على القبول باختصار ولاية المجلس تمهيدا لتنظيم انتخابات نيابية جديدة في ظل الرئيس لحود والتدخل السوري على نطاق واسع، ولا يكون عندئذ في وسع الحكومة في حال بقائها، الدعوة الى اجراء انتخابات فرعية لملء كل المقاعد النيابية التي تكون قد شغرت في اكثر من منطقة، وان هي دعت الى اجرائها، فقد تواجه بمقاطعة الانتخابات اقتراعا وترشيحا.

والسؤال المطروح: هل يمكن ان تبلغ المواجهة بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار هذا الحد من الخطورة وإن على حساب مصلحة الوطن والمواطن بدون رادع ولا وازع لضمير وادخال البلاد في ازمة كيان ووطن اكبر من ازمة حكم.

تقول مصادر ديبلوماسية ان الوضع في لبنان ممسوك عربيا ودوليا وتحت المراقبة، وان كل خلاف مهما اشتد بين السياسيين واهل الحكم لن يصل الى حد تفجير لبنان وادخاله المجهول، بل ستبقى المعركة بين تغيير لحود ومعركة بقائه، ولا بد للخارج في مثل هذا الانقسام الحاد بين الزعماء اللبنانيين ان يتدخل كالعادة لحسم المعركة التي كلما طالت يتعرض لبنان لضرر كبير يصعب تعويضه. وهذا الخارج بدأ بالتحرك تمهيدا لاتخاذ موقف في ضوء التطورات المحلية والاقليمية والدولية، ولاسيما في ضوء المحادثات الاميركية – الايرانية والاتصالات العربية – السورية.