محمـد العبـد اللـه

انشغلت الساحة السياسية الفلسطينية _ ومازالت _ بنقاشات واسعة حول قضية مركزية، تجسدت حول مضمونها، حالة صاخبة من الحوار، وصل ببعض أطرافه ، إلى حافة الإنزلاق نحو اتهام بـ" التفريط " ليس لأفراد، بل ولبعض " القوى " التنظيمية، وإعمال معاول الهدم للاجهاز على الكيان المعنوي / السياسي لقضية النضال الوطني الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية، التي جسدت الإطار الكفاحي للشعب، من خلال عملية التراكم المتتالية لنضالاته، والتي تأسست على ركائز عديدة، كان ناظمها جميعاً " الميثاق الوطني" .

إن المحاولات الحثيثة التي دأبت عليها القوى النافذة والمهيمنة بالساحة الفلسطينية، عبر عقود من التخريب المنهجي للحالة السياسية / الثقافية / المادية للمجتمع الفلسطيني، أثمرت نهجاً تفريطياً بامتياز! ظهرت بعض تجلياته في "تسويغ التنازلات " وتقديمها على أنها " إنتصارات وطنية "! وهكذا شهدنا " إتفاقيات الإذعان " في أوسلو وجنيف، و" كرنفالات " التزوير والتهافت في مدينة غزة أثناء اجتماع المجلس الوطني بحضور الرئيس الأمريكي " كلينتون " عام 1996 والذي تنازل فيه الحضور،عن الحق التاريخي لشعبنا في وطنه، من خلال شطب وإلغاء بعض مواد الميثاق، عبر" ملهاة "عكست مقدار الانحدار والسقوط لكل من رفع يده موافقاً ! .

إن إرتدادات الحدث الانتخابي الفلسطيني للمجلس التشريعي، انعكست على حالة الحراك السياسي بين القوى السياسية، وداخل الشارع الجماهيري . وقد تكثفت حدة تعبيراته في الرسائل المتبادلة بين رئيس السلطة ورئيس الوزراء المكلف، وبكل مالحق بهذه المداولات من تعقيبات لافتة للنظر" تصريحات الطيب عبد الرحيم وردود سامي أبو زهري" ، ناهيك عن أحاديث " عزام الأحمد " رئيس كتلة فتح البرلمانية، و" أحمد عبد الرحمن" الناطق الرسمي باسم " فتح ".

إن المراقبين المتابعين للغة الخطاب السياسي الذي تضمنته الحوارات بين تلك الأطراف ، لاحظوا أن أداة الاستقواء فيه لدى مؤسسة الرئاسة وتوابعها ، كانت الموقف من منظمة التحرير الفلسطينية ، وضرورة التزام "حماس" وحكومتها القادمة بالمنظمة "كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني"، وهذا ماأثار دهشة المتابعين، من خلال لجوء مؤسسة الرئاسة وأركان " حزبها " لإعادة " المنظمة " إلى واجهة الأحداث، وهم تحديداً من أفقدها دورها التنظيمي، كأداة جامعة للقوى السياسية الفلسطينية، وعمل على مدى سنوات، لإفراغها من مضامينها الكفاحية من خلال عملية تزوير وتضليل لإرادة الشعب، مارسها عدد محدود من أعضاء المجلس الوطني المنعقد في مدينة "غزة " بحضور " كلينتون ".

لقد عمل الكثيرون على مدى سنوات عديدة، على "إهالة التراب " على مؤسسات المنظمة، خاصة " لجنتها التنفيذية " التي تمر منذ عقود بحالة " موت سريري " وهو ماعبر عنه أمين عام الجبهة الديمقراطية " نايف حواتمة " مؤخراً (في الحالة الراهنة التي تعيشها اللجنة التنفيذية ، فإن أكثر من ثلث عضويتها، من مجموعها البالغ ثمانية عشر، يعتبر شاغراً بالاستشهاد / الوفاة " عددهم أربعة" ، أو الاعتقال " عضو واحد "، أو تجميد العضوية ،أو التغيب. وهكذا فإن حال اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهي أعلى هيئة قيادية سياسية للشعب الفلسطيني، هو انعكاس لحال المجلس الوطني، فهي لم يجر تجديد انتخابها منذ عشر سنوات) هذه اللجنة ، بتوصيفاتها الواقعية تلك، هي التي اجتمعت قبل أيام _ بمشاركة أعداد من الوزراء المنتهية صلاحيتهم ، وبحضور لآخرين من بعض القوى _ وقررت رفض برنامج حكومة "حماس" كما جاء على لسان عضو اللجنة التنفيذية، ممثل الجبهة الديمقراطية فيها "تيسير خالد " .

إن المتتبع للغة الخطاب السياسي الوطني للحكومة الجديدة "برنامج الحكومة وتصريحات رئيسها، والمواقف المعلنة لخالد مشعل " يستدل على موقف إيجابي، متفاعل ، أكثر انفتاحاً على التعامل مع المنظمة ككيان وإطار .في لقاء إعلامي واسع ، حضره العديد من الصحفيين في مدينة غزة يوم 25 /3 تحدث " اسماعيل هنية " عن أبرز القضايا المطروحة، بصراحته المعهودة، وتوقف مطولاً أمام موقف الحركة من المنظمة قائلاً ( نؤكد أن منظمة التحرير هي مظلة الشعب الفلسطيني وتعتبر انجازاً وطنياً مهماً، وشكلت تراكماً نضالياً يحترم في أوساط شعبنا الفلسطيني في الداخل وفي الخارج ) مضيفاً ( إن المنظمة تحتاج إلى تطوير وإعادة بناء، وإعادة تفعيل، وهذا مااتفقنا عليه في حوارات القاهرة ) مؤكداً على ( أن الحركة والحكومة تعترفان بمنظمة التحرير الفلسطينية لأننا نحن جزء من الشعب الفلسطيني ) .إزاء هذا الموقف الواضح للحركة في نظرتها وبرنامج عملها تجاه المنظمة، تبرز العديد من الأسئلة عن دوافع ومبررات بعض القوى العاملة على عرقلة عمل الحكومة وإعاقة تقدمها، خاصة لعدم المشاركة بها، من أجل إبعاد صفة " اللون الواحد " عنها، والعمل على رسم وتطوير ومراقبة أدائها من الداخل، وهذا السؤال موجه بالأساس للجبهة الشعبية، التي فاجأت المراقبين بعدم دخولها الحكومة نظراً لعدم
توفر "التوافقات " على بعض القضايا المركزية !.

إن عدم المشاركة من قبل العديد من الكتل البرلمانية بالحكومة، يجد تفسيره الأساسي، بالموقف الذي اتخذته " فتح "، وبالضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية وتوابعها في الحكومات والمنظمات الأوروبية، على بعض الكتل ، التي أغدقت عليها الأموال أثناء الحملة الانتخابية، والتي تتوافق في العديد من مواقفها مع الرؤية الأمريكية/ الأوربية للوضع الفلسطيني .

لقد أضافت القوى التي امتنعت عن المشاركة بالحكومة، وعن التصويت لصالح برنامجها المقدم للمجلس التشريعي، عقبات جديدة تضاف لكل الضغوط الاقليمية والدولية على التجربة الوليدة . إن احترام إرادة الشعب كما عبرت عنها نتائج الانتخابات، تقتضي العمل يداً بيد من أجل حماية المشروع الوطني وتطوير أشكال مقاومته للمشروع الصهيوني التوسعي، وتمتين بنية المجتمع الفلسطيني ورفع درجة صموده في وجه محاولات تجويعه وإذلاله .وكل هذا مرهون بإعادة المضمون الكفاحي للمنظمة، وتحويلها من "مظلة " للشعب إلى " جبهة الشعب الوطنية المتحدة" _ المنضوية بداخلها قوى أسياسية فاعلة "حماس والجهاد الاسلامي " _ الملتزمة بتصعيد المواجهة مع المحتل، وصياغة خطة العمل من أجل إحياء مؤسساتها وهيئاتها، بعيداً عن التفرد والفئوية، وإعادة تشكيلها على أسس ديمقراطية تعيد الحياة لها. إن جبهة موحدة للشعب، برنامجها السياسي والكفاحي، الميثاق الوطني بكامل بنوده ومواده، سيجعلها عملياً وجماعياً " الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده " .