لست هنا في صدد عرض قضية قانونية فنية بحتة، وإنما أحاول أن أبيّن أنّ هناك خللاً أساسياً تتعرض له علاقة الكويت كدولة عضو مع المجتمع الدولي، بسبب التذرع الخاطئ بأن المعاهدات الدولية، التي انضمت الكويت إليها وصادق عليها مجلس الأمة لا تشكل في حد ذاتها قانوناً قابلاً للتطبيق، وإنما هي مجرد «دعوة للمشرع لمراعاة أحكامهما فيما يصدر عنه من تشريع»,,, إذ ان هذا يعني عملياً تحللنا كدولة من أهم التزاماتنا الدولية، فما قيمة المعاهدات، التي انضمت إليها الكويت ما لم تكن لها قوة القانون؟!

صحيح أنّ هناك حكماً قضائياً صادراً عن محكمة التمييز قضى بذلك، في خصوص المرسوم الصادر بالتصديق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، ولكن الأهم من هذا الحكم القضائي، الذي قد يقرر قاعدة قانونية غريبة عجيبة، أنّ دستور الكويت ينصّ على خلاف ذلك في المادة 70 منه: إذ «تكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية»، بل ان المستقر عليه في الفقه الدستوري أنّه «إذا تعارض نصّ في المعاهدة مع نصّ في قانون عادي سابق أُخِذَ بما جاء في المعاهدة تطبيقاً للقاعدة العامة، التي تقضي بأنّ التشريع اللاحق ينسخ السابق إذا تعارض معه صراحة أو ضمناً وكان أقوى منه أو مساوياً له في المرتبة» (راجع كتاب المرحوم الدكتور عثمان عبدالملك الصالح «النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت»),,, هذا ما قرره الدستور، وهذا ما أفتى به الفقه الدستوري، ولكن حكم محكمة التمييز، تجاهل ذلك فقرر أنّ المعاهدات الدولية مجرد دعوة للمشرع لمراعاة أحكامها فيما يصدر عنه من تشريع، ولا تملك قوة القانون الملزم للسلطات الدستورية الأخرى سواء التنفيذية أم القضائية بالتزامها والعمل بمقتضاها!

هذا الوضع خاطئ ومضر بوضعنا كدولة عضو في المجتمع الدولي ويفترض الإسراع إلى تصحيحه ومعالجته في أقرب وقت,,, ولعلّ الطريق الأسلم إلى ذلك، بحيث لا يكون هناك قولان، هو أن تبادر الحكومة بناء على طلب وزارة الخارجية؛ أو أن يبادر مجلس الأمة بتقديم طلب تفسير إلى المحكمة الدستورية حول ما قررته المادة 70 من الدستور في شأن المعاهدات الدولية، بعد إبرامها والتصديق عليها، ومدى إلزاميتها، بحيث يكون حكم القضاء الدستوري ملزماً للكافة، بمَنْ فيهم محكمة التمييز، التي قررت خلاف ذلك!
فهل نأمل هذه المبادرة التصحيحية المستحقة؟ أم أنّ حكومتنا ترى في الوضع الحالي الخاطئ ما يتوافق مع هواها، بحيث تقرر متى شاءت التحلل من التزاماتها الدولية؛ أو تطبيق المعاهدات بطريقة انتقائية؟!