عندما كنت ادرس الماجستير في الصحافة الالكترونية في جامعة برمنكهام في إنكلترا كنت دائما أتابع صحافة الوطن كأي مغترب يبقى قلبه وعقلة متعلقا ببلده رغم البعد الجغرافي عنه . وذات يوم قرأت في الموقع الالكتروني لجريدة الجماهير الحلبية عن افتتاح المركز الإعلامي السوري في لندن وعن هذا الحفل " البازخ " الذي أقيم لهذا الغرض .

هذا وبعد فترة من قراءتي الخبر قمت بزيارة المركز في لندن وقدمت نفسي وخدماتي للدكتور العريضي الذي كان أستاذي في قسم الصحافة في جامعة دمشق. جواب الدكتور العريضي عندما "قلت له اني مستعد للمساعدة " كان "إننا نريد تأسيس موقع الكتروني للمركز ولكن لانعرف ماهي المواد التي نريد ان نضعها في هذا الموقع" اي المحتوى الإخباري والإعلامي كان جوابي حينها بالإيجاب على اعتبار ان المطلوب هو اختصاصي الذي اقوم به في بريطانيا ولكن الطلب بحد ذاته يعكس صورة قاتمة لانه يدل على ارتباك لدى ادارة المركز فضلا عن عدم معرفة هدفهم او حتى طريقة الوصول الى الهدف الذي جاؤوا من اجله الى لندن.

الحقيقة الأكثر أليما كانت عندما بدأت بالتشاور مع الأخصائيين في جامعتي وفي احد مراكز تطوير المواقع الالكترونية في وسط إنكلترا لوضع خطة للمحتوى الإعلامي والإخباري للموقع ذلك أنني توصلت لحقيقة كانت شبه قاتلة للمركز ولمهمة من أساسها.

فمن الأصول العلمية انك عندما تبدأ في الإعداد لموقع الكتروني يجب عليك البحث عن المنافسين او الجهات الاخرى التي تقوم بدور مماثل لذلك الدور الذي تريد أنت أن تقوم به. وعندما بدأت عملية البحث عن المنافسين او النظراء لهذا المركز الإعلامي وجدت بان ليس هناك منا فسين او حتى نظراء له .
فلا احد من اشقائنا العرب او حتى العجم لديه اي مركز إعلامي في لندن او في اي دولة في العالم وعليه تبين ان هذا المركز هو الوحيد من نوعه في العالم كونه منتدب من قبل وزارة الاعلام الى دولة اخرى ولم اقل هذه الحقيقة للدكتور العريضي لكي لايفهم باني اقول له "ماذا تفعلون انتم هنا" ذلك ان وجود المركز في حد ذاته ليس له اي مبرر فمن المتعارف عليه ان الملحقيات الثقافية والاعلامية للسفارات هي التي تقوم بالترويج الاعلامي والثقافي لهذه الدولة او تلك وليس ان تقوم وزراة الاعلام بفتح مكتب في اكثر عواصم العالم ازدحاما لكي يقوم ب" بتحسين صورة سورية لدى الغرب " وخاصة اذا ماعلمنا بان إمكانيات هذا المركز كانت عبارة عن الدكتور العريضي بمفرده وموقع الكتروني لايزال الى تاريخ الساعة مشوها ولايرقى بحسب التصنيف المهني لان يكون موقع من الدرجة العاشرة.
ولست هنا بصدد تحمل مسؤولية الفشل لاشخاص بقدر ما انني بصدد الاشارة الى عدم جدوى الفكرة من اساسها وهنا اذكر بانه لدى مشاركتي في ندوة عن الاعلام العربي في قسم الاعلام في جامعة وست منيستر في لندن التقيت بالمسؤولة الاعلامية في منظمة العفو الدولية وقالت لي حينها مستفسرة عن مركزنا الاعلامي " ماهي وظيفتهم وماذا يفعل هذا المركز هنا"

تلعثمت حينها في الاجابة كما اني لم اكن قادرا على ان اخبرها بان مهمتهم هي "تحسين صورة سورية في بريطانيا او في العالم الغربي" ذلك لان مثل هذه المهمة تتطلب من الامكانات ماتعجز عنه بعض الدول الخليجية بذهبها الاسود فما بالك عن بلادي التي تجاهد لتحسين معاش ابنائها.
بل إن الأمر الأكثر غرابة كان عندما سالت المسؤولة الإعلامية في منظمة العفو الدولية "وهي المنظمة الأولى في العالم بمجالها" الم يقم احد بالاتصال بكم من المركز الإعلامي السوري فقالت "لا" وهنا نتبين بأنه حتى "اضعف الإيمان" وهو الاتصال بهذا المنظمة التي تنتشر تقاريرها في كل أنحاء العالم لم يتم . فالسؤال هنا لماذا لايتم الاقتراب من هؤلاء الناس او الاتصال بهم لشرح ونقاش نقاط الاختلاف والالتقاء معهم أو حتى للحديث عن قرارات العفو عن السجناء السياسيين التي أصدرها الرئيس بشار الأسد تباعا.

بالنسبة لي لم يكن الأمر مستغربا ففي الزيارات القليلة التي قمت بها للمركز الإعلامي تبين لي بان تأسيس هذا المركز تم دون بناء أية استراتيجية أو سياسة واضحة وواقعية لكيفية عمله او حتى للطريقة التي يتم الوصول بها الى النخبة في إنكلترا طالما أن الوصول إلى المواطن البريطاني العادي أمر يمكن وضعه في "سابع المستحيلات "

وإذا ما جئنا للحديث عن الكادر الذي كان يعمل في المركز الذي لاعمل له أصلا فكنت مهارات هذا الكادر بأنهم من " أقرباء فلان وعلان " ابل انه حين تم اتخذ القرار باطلاق الموقع الالكتروني للمركز تم استجلاب موظفين جدد وعلى رأسهم ابن الدكتور العريضي الذي كان بصحبة اسرة والده في مهمته بتحسين صورة الوطن.

أعود واكرر بأنني لست بصدد الحديث عن تحميل مسؤولية فشل هذا المركز لشخص بعينه ذلك لأنني وجدت ومن خلال الدراسة الموضوعية بان فكرة إقامة هذا المركز من أساسها غير مجدية.
وفي الدراسة " التي لم ترى النور" والتي قدمتها لإدارة المركز عن الموقع الالكتروني المفترض لهذا المركز ,والتي علق عليها الدكتور العريضي حينها قائلا " إذا تمكنا من إنجاز هذه الأفكار فان الموقع سيكون من أفضل المواقع وبمواصفات عالمية" , كنت قد شرحت له عن تأسيس لمركز إعلامي سوري يتبع لوزارة الخارجية ويكون مقره سورية ويروج للوطن من هناك عبر الانترنت من خلال إطلاق موقع بعدة لغات يتبع لإدارة يمكن تسميتها بإدارة الإعلام الخارجي وان نقوم بدراسة كل موقع على حدا بحسب الجمهور المستهدف وبالتنسيق مع الكوادر السياسية في سفاراتنا في الخارج, فمثلا موقع الصين العربي مركزه الصين والسويسري كذلك وغيرها الكثير فلماذا ارتأت وزارة إعلامنا بتحمل هذه النفقات الباهظة لفتح مركز في لندن ليجد العاملون فيه بان ليس لديهم ما يفعلونه في لندن سوا الكتابة في صحافة المهجر العربية أو في أحسن الأحوال الظهور في "السنة مرة" على شاشة ال بي سي لمدة لن تتجوز الثلاثة دقائق.

فليس من الجدير بنا أن نترك هذه المهمة لملحقنا الإعلامي أو الثقافي في السفارة السورية في لندن والذين هم من الناس الكفئين علميا ومهنيا.

واخيرا أريد أن انوه باني لست مع الرأي الذي يريد أن يبرر إزاحة الدكتور العريضي من مركزه لطبيعة تفاعله مع الحوار الذي أقيم على قناة الجزيرة لان الجميع يعلم بأنه عندما أرسل مدير المركز إلى لندن طلب منه أن يبتعد عن وجهة النظر الرسمية وهذا ما كتبته صحيفة الحياة حينها بتقرير للزميل إبراهيم حميدي كما أنني استوحيتها منه شخصيا خلال حديثي معه , فليس من الإنصاف أن يكون الرجل ضحية لتوجيهات أعطيت له.

وفي الختام يبقى المطلوب هنا هو تقيم الفكرة من أساسها وإعادة النظر فيها كليا من كافة النواحي والبحث عن خيارات أكثر جدوى وفعالية لتحسين صورتنا في المجتمعات الغريبة بغية إيصال رؤية القيادة الإصلاحية.