هي بالفعل شريحة لأننا عندما نسعى نحو تسميتها بـ"الطبقة" فإننا نتحدث عن سمات خاصة، وهوية تميزها في طبيعة إنتاجها الاقتصادي داخل التكوين السكاني، لكننا نملك واقعا "بشريا" إن صح التعبير، يخرج من حمى التقسيمات التي فرضها الكم السياسي الوافد منذ الاستقلال، فنجد أن مسألة الاحتماء بتقسيم طبقي لا يعبر عن واقع مخترق بثقافات ما قبل الثورة الصناعية. فـ"الطبقة الوسطى" لا تملك المساحة الملموسة داخل تضارب الأفكار اليوم التي تجعل من العناوين السياسية رمزا لا بد من اختراقه قبل أن نتحدث عن "شكلنا الاجتماعي".

وربما علينا قبل أن نتطرق للبحث داخل هذه "الشريحة – الطبقة" أن ننظر داخل محيطنا الجغرافي وداخل أنفسنا أيضا، لنعيد السؤال حول المأساة التي لم تبدأ منذ انهيار الدولة العثمانية، لكنها أصبحت واضحة في وعينا، فهذه "المأساة – الويل" ليست كابوسا طارئا تلبسناه في لحظة طيش، بل هي دوامة تجرفنا وتمنعنا عن التفكير في سبب منطقي واحد يجعلنا لا نقف عند حدود البحث داخل أنفسنا .. ما الذي جلب هذا الويل؟ ربما لا تكمن الإجابة في "الطبقة الوسطى" لكنها مفتاح ربما نستخدمه لنفتح بوابة جديدة في رؤية حالة كانت أشبه "بالفوضى" ثم أصبحت "فوضى بناءة".

والمشكلة تبدأ من النقطة التي أردنا فيها "تشكيل مجتمع" .. أو حتى الدخول إلى الأزمنة الحديثة، لكننا وجدنا أننا وسط "الدولة الإقليمية" التي رفضناها من منطلق حالة الانتداب أو التقسيم الذي أوجدته المعادلات والاتفاقيات الدولية... وكان علينا انتظار تشكيل المجتمع لأن الدولة التي ظهرت "لاتعبر عن إرادتنا" ... ثم حققنا "استقلالنا" لكنه لم يكن ناجزا لأن علينا الدخول في حرب جديدة، وهذه المرة خارج حدود "الدولة الإقليمية" التي لم نعترف بها سابقا، إلا أننا كنا مستعدين للتعامل مع كل مفردات هذه الدولة ....

ماذا حدث بعد ذلك؟!! كان إغراقا في خلق الأهداف والشعارات، دون النظر إلى حقيقة وجودنا في "الأزمنة الحديثة" ... فلم تتبدل "الطبقات" لأن المسألة بقيت في إطار الاجتماع البشري لما قبل الدولة الحديثة ... وممارستنا بقيت "ما قبل سياسية" وثقافتنا ربما "ما قبل مدنية" ... فهل هناك حاجة للحديث عن "الطبقة الوسطى" .... حتى ولو أن هذه الطبقة امتلكت بوادر ولادة حقيقية في أواسط الخمسينيات، لكن هذه الولادة العسيرة كانت قائمة على مساحة من الاجتماع البشري الذي لم يستطيع الخروج من أسباب "الويل"، فظهرت وغابت وسط سرعة الحدث وتراكم المصطلحات ... وإذا كنا نحلم اليوم بولادة جديدة لها، فإننا نحلم أيضا بظهور ثقافة الحداثة لأنه الشرط الأساسي لولادة كل مفردات المجتمع المعاصر.