تتضخم شخصانية فرد في موقفه من رمز في السلطة أو رمز في المعارضة لدرجة تحجب معها تاريخه و حاضره و مستقبله , و تفعل العاطفة فعلها , فتصطفي و تنتقي – بحسب ميلها حباً و كرهاً- نسقاً واحداً من أفعاله و مواقفه لتضخمها و تحيّدها عن نسق أفعال و مواقف معاكسة للشخص نفسه , فتمحيها من الذاكرة .

على هذا النحو صنعت صور كل الرؤساء و الملوك العرب حتى أُلهت من شعوبها , كما صنعت صور كل معارضي الأنظمة و وسائل إعلامها و أحزابها الموالية و التابعة , فإذا ما كرهت الفئة الحاكمة رمزاً معارضاً لم تبق له حسنة واحدة و لم تبق له ستر أو عرض , و إذا ما أحبت تابعاً أجيراً لها أسبغت عليه حسنات نفسه و حسنات غيره , و امّحت سيئاته و أخطائه بقدرة قادر , حتى يصبح قديساً أو ملاك.

إن الشخصانية تمثّل تغلب العواطف على العقل , و هي في العمل العام مرض يشوّه أحكامنا و خياراتنا , فتضعنا في الموقف الخطأ و تدفعنا إلى الكلام الخطأ . فأن نقول العمل العام و في رأسه العمل السياسي يعني أن نعمل في قضايا و لقضايا تهم المجتمع و الأنسان ( الوطن) , هي الأساس في العمل السياسي كما يفترض , كما يعني التعامل مع حاملي هذه القضايا فيما يطرحون و يعملون . المشكلة هي أن يتمحور العمل السياسي حول الأشخاص وليس حول القضايا و الأفعال .
إن السياسة بما هي فاعلية إنسانية كبرى لا تقوم في أساسها على العواطف الغريزية و لكن على المصالح المفيدة للمجتمع , فالعقل لا بد أن يركّز على هذه المصالح المفيدة أياً و مهما كان حاملوها , و لا يجوز أخلاقياً رفض مصلحة يحملها شخص ما , لمجرد أنّا نكرهه لسبب أو آخر فنتهمه بتهم شتى, والأََولى أن لا نرفض مصلحة عامة يدعو إليها شخص فيما كنا نقبل بضرر عام كان يدعو إليه سابقاً , فقط لأنه بدّل موقفه السياسي , حيث تحوّل مثلاً من السلطة الحاكمة إلى المعارضة , ففي الأمر إدانة أخلاقية ووطنية لمن يتخذ موقف رفض المصلحة العامة و يتخذ موقف رفض الشخص و إدانته لأي حجة كانت لاسيما إذا كانت الحجّة أنه بدّل موقفه من موالاة السلطة - لاسيما إذا كانت فاسدة ولا تعمل لمصلحة المجتمع – إلى رفضها . إدانة رجل يدعو لمصلحة عامة ترتدّ على من يدينه , لأنه يرفض شخص يدعو لمصلحة عامة , فلماذا لم يدن هذا الرجل حينما كان يدعو لضرر عام و يفعله بيده ولسانه ليل نهار ؟

هذا يكشف أن من يدينون الداعي للتغيير و المصلحة العامة إنما يرفضون المصلحة العامة و لا يدينون الرجل بذاته إلا لأنه يدعو لمصلحة عامة

أشخاص المعارضة يخافون على مواقعهم – خدام و المعارضة -:

يرفض النظام الحاكم و بعض أشخاص و شخصيات المعارضة إضافة لمعارضة النظام التابعة له , يرفضون

خدام لشخصه و لمشروعه معاً , كل لأسبابه الخاصة :

أشخاص النظام و أبواقه و تابعيه لا يتخيلون أن من كان جزءاً منهم , يمكن أن ينقلب عليهم , لأنه يفتح باباً للشك بكل النظام خارج " الفئة المركزية " , و الأخطر أنه يزعزع العقيدة التي يقوم عليها النظام , وهي عقيدة الولاء المطلق والتبعية المطلقة الأمر الذي يجعله أكثر انغلاقاً على "فئته المركزية" وأكثر شكاً بكل من حوله و يعلن الوفاء له. رهاب الخوف من الأنشقاق: انشقاق من الذات و فيها , وتحول جزء منها أو أحد عناصرها إلى خصم إلى عدو أو معارض لها.

أما أشخاص المعارضة و موالاتها فلا يتخيلون أن عدواً لدوداً يمكن أن يتحول خلال أيام أو شهور إلى صديق للمعارضة , بل جزءاً فاعلاً منها , بل في طليعتها ؟!

إنها إذاً مصادرة لأشخاص المعارضة , فكيف بمن كان عمره في السلطة جزء من قوتها القاهرة و لو رمزياً , كيف به يتحول إلى المعارضة طارحاً نفسه قائداً لها , هذا أمر يفوق طاقة زعماء المعارضة على الوعي أو التحمل .

من هنا نفهم مدى الصدمة و الخوف الذي تجسّد في استنفار مجلس الشعب و في مئات المقالات التي كتبها على السواء مثقفون موالون للنظام و مثقفون موالون للمعارضة .

ساد الشارع السوري الموالي للنظام رهاب حقيقي , ظهر واضحاً في ذهول استمر أياماً عديدة ,عبّر عنه طوفان مقالات عبر الأنترنت تدين خدام و تنبش تاريخه و تلصق به اتهامات سابقة راجت ضده .

رهاب آخر أصاب أشخاص و زعماء المعارضة من هذا الآخر السلطوي الذي قرّر الألتحاق بها ليصبح جزءاً منها , جزء من ذات المعارضة مُسقطاً صفة الآخر أو العدو عنه , لكن هذا الآخر – عبد الحليم خدام مثلاً – ظل آخراً عند الجميع , الجميع رفضه , في حالة خوف أصابت زعماء المعارضة تجاه حالة لم يألفها العقل السياسي السوري المعارض و لا الشارع السوري , و بقي هذا الآخر قابضاً على الجمر , حتى الأخوان حلفاؤه في جبهة الخلاص يتحفظون من علاقة كاملة مع هذا الرجل الذي يبدو أنه مازال "آخراً" عندهم .

نفهم أن ينظر النظام الحاكم لمن هم موالون له على أنهم كاملوا الأوصاف و نفهم أن ينظر لمن خرجوا عليه لاسيما إن كانوا جزءاً منه , أنهم كاملوا الخيانة, كما نفهم أن تعتبر المعارضة أشخاص النظام شياطين , لكننا لا نفهم كيف أنها تنظر لمن خرج على النظام و صار موضوعياً حليفاً لها , على أنه ما زال شيطاناً . هذا الموقف غريب و يستهجنه كل صاحب عقل سياسي , لأنه يشير إلى ذهنية نمطية مؤسسة على رفض الآخر الذي في الضفة الأخرى و شيطنته و تنميط صورته على طول الخط , بل و رفض تحوّله و تراجعه عن خطأه أو موقفه .

هذا يكشف عن عمق ديني جبري قائم على الفكرة الدينية التي تقول أن الأنسان يولد و يعيش يموت على حال واحدة لا تتغير , و الأسوأ في كل ذلك أن من يؤمنون بهذه الفكرة لا يمكن أن يقبلوا الأخر المخالف الذي على"دين" آخر حتى لو أعلن " توبته" و تحول إلى " دينهم" .

بهذا يغلق أعمدة المعارضة السورية الباب أمام أي انشقاق لاحق في صفوف النظام , و يغلقون أي أمكانية لتغيير أيجابي في السلطة والبلاد لأنهم لا يغفرون ل" الآخر" و لأن "التوبة" عندهم ممنوعة