محمد ح. الحاج

لم يكن ممكناً الإطلاع على التوجيهات المنقولة عبر المبعوثين الجوالين، أو النظار المقيمين في قلب العالم العربي في المواضيع المسموح تداولها، أو المحظورة ، قبل انعقاد القمة العربية، لكن غالبية الشارع العربي المتفائل كان يعتقد أن بعض المواضيع وبسبب أهميتها الراهنة قد لا تغيب عن حوارات القادة العرب، ثم أن تندرج بشأنها بنود في مقرراتهم النهائية،... ولكن .

أمران من أخطر ما تواجهه المنطقة العربية – المشرقية ، الاحتلال الأمريكي للعراق وما ينتج عنه من مجازر وأنهر دماء في الشارع العراقي، وما يمكن أن يؤدي إليه من تمزيق وحدة العراق . ثم الموضوع النووي الإيراني والضغوط والمخططات الأمريكية – الأوروبية الموجهة لهذه الدولة وما قد يستجد لاحقاً من وقوع أعمال عسكرية ستكون ضارة ، وربما كارثية على المنطقة بسبب توسطها ميدان الصراع .

يبدو أن قضية التصدي للاحتلال الأمريكي للقطر العراقي الشقيق كانت من المحظورات، وربما أوعزت الخارجية الأمريكية للجميع بأن لا يتعرضوا له على قاعدة أنه في صلب المسموحات الدولية لأمريكا، ويساندها في ذلك قرار دولي، وتحالف قوي ، وهكذا اكتفى القادة بالتركيز على ضرورة الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وهذا ما تقول به حتى أمريكا وتحالفها، وتعمل عكسه تماماً بحيث يجري حث العراقيين بطريقة تحريضية على التقاتل المذهبي – الطائفي لتكون النتيجة حرباً أهلية لا تبقي ولا تذر ، ألم يكن الأولى بالقمة أن توصي ببرمجة الانسحاب للقوات وترك العراق لأهله ليقروا ما يشاءون ..؟

قلنا بضرورة الخروج بتوصية وليس بقرار ، على اعتبار أن القمة لم تتخذ قرارات، بل أصدرت بياناً، على غرار كل البيانات العربية التي تصدر عن الجهات الرسمية، أو الشعبية ، وهي غير قابلة للتطبيق أو الصرف، أو التداول، إنها فقط للاستهلاك المحلي ، وهكذا لا يخرج بيان قمة الخرطوم عن السياق، ومع احترامنا لرأي من وصفوا القمة بأنها كانت من أنجح القمم، فربما مجرد انعقادها يعتبر نجاحاً في ظروف كظروف قادة العربان اليوم، الذين تذرع أقل من نصفهم بذرائع مختلفة كي لا يحضروها ، خوفاً من زلة لسان، أو إبداء رأي ، أو خروج هذه القمة بتوصية أو بيان لا يرغبون المشاركة فيه فربما يغضب أمريكا ، وهذه حقيقة راسخة، الكل يدركها، وكلهم يتحاشى حصولها .. ليس مهماً أماني الشعوب، ولا مصالح الأمم، ولا حتى الكيانات، المهم رضا السيدة .... كوندي ، عفواً ... الدك...توره رايس ، الأم الروحية للرئيس.

قبل أكثر من ثلاثة أسابيع ، وخلاصة حوارات طويلة مع الكثير من أصحاب الاتجاهات المختلفة في السياسة، وصلت إلى خلاصة مفادها أن الغالبية تأمل في موقف عربي من الذي يحصل على ساحة الشرق الأوسط ، ومع التحفظ على التسمية فأنا أقول بأن إيران هي في الشرق الأوسط وليس الأدنى كالمنطقة العربية ، وأكرر أن الذي يحصل الآن وبمنتهى السخونة هو على الأرض الإيرانية ، استعدادات للرد على عدوان محتمل ، وتسريع لامتلاك الردع ( وربما النووي ) ، وقلت في مقالة سابقة أن هذه الدولة ستصل في القريب، أو في مرحلة لاحقة إلى أهدافها طالما توفر القرار ، والنية، والعناصر اللازمة وخاصة العلمية ، وقلت أن ذلك سيكون تحدياً جديداً للعالم العربي بكل مكوناته، الصديقة لإيران، أو المعادية لها، أو المحايدة ... طالما ليس هناك توجه عربي لتحقيق مثل هذا الهدف، الخطر سيكون محتملاً، لكن هناك خطر قائم أكثر قدماً ( السلاح النووي الصهيوني) وطالما فتح الغرب عينيه على اتساعهما بشأن برنامج إيران المحتمل – رغم الرقابة الدولية ووجود المراقبين، وتوقيع إيران على اتفاقية منع الانتشار ، وملاحق إضافية، إلا أن الهلع الصهيوني يدفع بالقوى الكبرى – حفاظاً على التفوق الصهيوني وانفراده بهذا السلاح إلى اتخاذ الموقف المعارض للنشاط الإيراني ولو في صيغته السلمية، وفي حال استمرار الدولة الإيرانية على موقفها المتصلب، فإن هذا الغرب لا يكتم مخططاته، ولا توجهه، ولا الإعداد القائم لتوجيه ضربة إجهاضية لكل المنشآت الإيرانية ومعنى ذلك قيام حرب في المنطقة يقع عالمنا في منتصف ساحتها، وستكون تراشقاً بكل أنواع الأسلحة عابرة القارات، وربما أسلحة الدمار الشامل ، والمحتمل المؤكد أن الكثير منها سوف يسقط فوق رؤوسنا، إما خطأ ، أو بسبب التصدي له من الطرف الآخر، وأيضاً في استهداف قواعد كثيرة على أراضي بعض كياناتنا يستخدمها هذا الغرب، الذي يذكر خبراء استراتيجياته أن الخطر ماثل على بعض الدول العربية ومنها الكويت وقطر والبحرين، - الأخيرة لأنها " تستضيف " الأسطول الخامس الأمريكي ،.. وهذا مصطلح جديد ..! وقطر تستضيف أكبر قاعدة جوية في المنطقة ..! - تصوروا أن " المضافات " العربية تحولت إلى قواعد عسكرية تبيح لمن يريد الادعاء بأن أي استهداف لها إنما هو موجه للدولة المضيفة، ولا يعترف بأن مجرد وجود هذه القواعد هو عدوان على الجوار وتهديد دائم ومستمر ، فبأي منطق يعتبرون الرد على العدوان واستهداف هذه القواعد هو خروج على المألوف ونقضاً للمنطق الذي سار عليه العالم منذ الأزل ..؟.

الغرب يحرض على طموح البرنامج الإيراني ( العدواني ) في كل المحافل، ويحيله إلى مجلس الأمن، وربما لا يكون مفاجئاً قيام هذا الغرب بشن عدوان واسع على إيران كما فعل مع العراق، ثم يقوم بتغطية عدوانه بقرار دولي لاحق، أهي عملية اجترار للتاريخ .. ؟ . - لم يلتقط قادة العرب اللحظة الراهنة، ولأن الصوت العربي مقموع ، والرأي غير مسموع ، فقد أعطوا لأنفسهم إجازة حتى لا يناقشوا الموضوع ويخلصوا إلى مجرد بيان مفاده: أن الخطر الماثل أمام الأعين يقتضي القول بضرورة المساواة على الأقل بين البرنامجين – " الصهيوني ، والإيراني " على اتساع الفارق بينهما ، ومناقشة خطر كلا البرنامجين على المنطقة كلها – شرق أدنى، وشرق أوسط ، وشرق أوروبي ، وأيضاً على الكثير من أنحاء العالم ، ... وهذا يشكل القليل من العدالة ، ثم أن التسويق لموقف عربي بهذا الاتجاه ، حتى ولو كان بياناً، وليس قراراً، فإنه يشجع الكثير من الدول في العالم لاتخاذ موقف ، وهي التي تعجب لأمرنا وتتساءل عن السر في موقفنا المتناقض مع منطق الخطر القائم منذ سنوات وإيلائه الاهتمام التام ، وضرورة إثارته بالتوازي مع خطر محتمل كما يدعي هذا الغرب ، والقول بأن الخطران يمسان بالأمن العربي ، والعالمي ومن الواجب معالجتهما بالتوازي والتساوي .. الكثير من دول العالم، ومنها الكبرى مثل روسيا، والصين، والهند، وحتى دول أمريكا اللاتينية تتساءل قياداتها : أمِنَ المعقول أن لا تدرك القيادات العربية حجم الخطر، وأن اللحظة مواتية لطرحه بقوة وتكوين معارضة للنظرة الأحادية الجانب لقوى التسلط العالمية ..؟.

الصحافة العربية، وخاصة الرسمية منها لم تتجرأ على طرح الموضوع بهذا الشكل، وإذا كان مقال أو تحليل عبر صفحات الويب يثير القليل من التساؤل، فإن إثارته عبر الصحافة الرسمية أو شبه الرسمية يعطيه ثقلاً أكبر، ومعنى أعمق ( رغم اعتراض البعض بالقول أن الصحافة الرسمية العربية معدومة الوزن، ولا قيمة لما تكتب أو تطرح ) والحقيقة أن مقالي السابق لم تقبل بنشره ..... وأعتقد أن المواضيع الساخنة، والآنية مستبعدة ، وتميل أكثر الصحف إلى طرح قضايا التراث ، والأدب، والبيئة وغير ذلك مما لا يثير حفيظة القوى الكبرى، ولا يؤجج الشارع الذي لا يحتاج لمثل ذلك فهو متوتر ومحتقن على الدوام لكل الأسباب التي يعاني منها، وليس لسبب واحد، وقد اضطررت لنشر الموضوع عبر صفحات الويب وقبل انعقاد القمة بليلة واحدة وكنت على ثقة شبه تامة بأن الموضوع لن يناقش، مثله كمثل رسالة الأسير صدام حسين ، أو رسالة من يقود القتال ميدانياً ضد الاحتلال عزت الدوري ، وبالقدر الذي كنت أنظر باستنكار إلى قسوتهما إبان حكمهما، بقدر ما أنظر اليوم بالتقدير إلى مواقفهما ضد الاحتلال الأمريكي وهما يفضحان أساليبه، ويحاكمانه ، وقد لا يطول الوقت حتى يصدر الحكم بحق هذا الاحتلال البغيض .

هناك تساؤل واسع النطاق : هل سيدرك قادة العرب في وقت ما أنهم خذلوا أمانيهم – أقصد أماني شعوبهم – إذ لم يستغلوا الواقع والوقائع فيجعلوها في خدمة جانب من جوانب قضيتهم ..؟ على الأقل ، البعض يقول ربما يندمون على ذلك ،... البعض يقول من ليس بصاحب قرار ، لا يندم على ما فاته ، فهو يعمل بما يؤمر به، وليس لتحقيق أماني شعبه الذي لم يفوضه بشيء ... ! هل لهذا السبب تغيبوا ..؟ أم لإدراكهم الحقيقي بأنهم ليسوا أصحاب رأي مسموع، ولا قرار ....!