من التجارب القريبة التي لم نعايشها بل داهمت عقولنا وحولت بريق اللحظات إلى حمى من الموت والدهشة، ومجانية بـ"الشهادة" أو زهق الأرواح، نطلق السؤال الأول: هل الطبقة الوسطى هي الضحية الأخيرة لعمليات "الفوضى" كما ينظر لها المحللون اليوم؟!!

والسؤال ربما لا ينبع من ضرورات نظرية، لأن المواجهة المستمرة اليوم ليست فقدانا لأرواح بشرية كما يحدث في "أفلام الإثارة" بل مجتمع يعيش معنا، وهو الصورة التي تعيش داخلنا سزاء استطعنا تصنيفها كـ"طبقة" أو استكمالا لجغرافيتنا السكانية الممتدة شرقا، وكنا نحلم قبل سنوات بأنها تكون وحدة حياة معنا، ودورة اقتصادية واجتماعية شكلت استمرارنا.

مع هذه الصورة وحتى لا تداهمنا المصطلحات الخاصة بالسياسة الدولية، فربما علينا الاستعداد لمواجهة، أو ربما لاستقبال، مفهوم "الفوضى" .. أو دوائر الفوضى الجديدة داخل الإستراتيجية الأمريكية. كي تستهلك الطبقة الوسطى، أو تغير من سلوكها الاستهلاكي بعد أن تحصد جملة من الأرواح.

الحديث اليوم عن "الفوضى البناءة" ربما تسنده الولايات المتحدة إلى تجارب حديثة جدا في جورجيا وأوكرانيا، وربما لبنان. لكن هذا المفهوم ليس سياسيا بالمعنى الكامل، بل هو يستند إلى نظرية "chaos" أو ما يعرف علميا بنظرية الشواش والتي تم "بناء" العالم عليها.

هذه النظرية التي اجتاحت العالم ليست مجال النقاش، لأن مسألة حدودها العلمية ما تزال حتى اليوم مثار حوارات لكل من تبنى نظريات ما بعد الحداثة، لكن في الجانب الفلسفي والعملي أيضا تضعنا امام قفزة على المجتمع ان ينجزها تشبه إلى حد بعيد "صدمة الحضارة" التي عشناها في بدايات القرن العشرين.

مع انهيار الدولة العثمانية كان علينا القفز بشكل سريع لمرحلة الحداثة، واليوم مطلوب منا وقبل إنجاز الحداثة، أو الفشل بإنجازها، لأن ندخل مراحل ما بعد الحداثة وبناء عالمنا على مذهب "الشواش".

ربما اكون منحازا لنظرية الشواش لأنها تفتح أمام العقل بوابات التفكير .. لكنن لا أستطيع الانحياز لها سياسيا، ليس لأنني لا أؤمن بالتكامل المعرفي على مستوى الثقافة الاجتماعية، بل لأنني حذر من عمليات الانقلاب من التراث باتجاه ما بعد الحداثة أو "الفوضى البناءة".