الشرق الأوسط

سورية تشعر بأن الأوضاع الإقليمية خففت الضغوط الدولية على النظام

قبل عدة شهور، وتحت ضغط دولي كثيف لتخفيف سيطرتها على لبنان، بدأت الحكومة السورية تتحدث عن انهاء سيطرة حزب البعث الحاكم على القوى السياسية الأخرى في البلاد وتمهيد الطريق لنظام تعددي.
إلا ان الامور تحركت في الاتجاه المضاد، وعاد المسؤولون السوريون للعمل على إسكات المعارضة السياسية الداخلية وفي نفس الوقت تخفيف القيود على المحافظين الدينيين، لتقوية الدعم لهم.

وقد اعتقلت سلطات الأمن العديد من العاملين في مجال حقوق الانسان والقيادات السياسية، وفي بعض الحالات افراد اسرهم ايضا. كما حظروا عليهم السفر للخارج للمشاركة في مؤتمرات سياسية وأغلقوا مركزا لحقوق الانسان يمول من الاتحاد الاوروبي. وبعثت الحكومة برسالة صارمة الى وسائل الاعلام تطالبها بضرورة الترويج «للأجندة» الرسمية ـ وليس تحديها.

وقد فسرت تصرفات القيادة السورية، في مقابلات مع المسؤولين و«المنشقين» ونشطاء حقوق الانسان بأنها تعكس على الاقل الاحساس المتزايد بالثقة بسبب التغيرات في الشرق الاوسط في الشهور الاخيرة، ولا سيما انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينية، والشلل السياسي في لبنان والصعوبات المعقدة التي تواجهها الولايات المتحدة في محاولاتها إعادة الاستقرار الى العراق ووقف الجهود الايرانية للتحول الى دولة نووية.

كما ان الاعتقالات وتقييد الصحافة والسفر والجهود الرامية لسحق المعارضة هي، ايضا، رد فعل على المناخ السياسي الداخلي الهش والقلق من تنامي حركة المعارضة في الخارج.

وأوضح عبد الله دردري وهو تكنوقراطي تعلم في لندن، في مقابلة صحافية: «لست متحمسا لعملية المداهمة في الصباح المبكر، ولكن هذا النظام يتعرض للتهديد. ان بقاء النظام واستقرار هذا البلد يتعرضان لتهديدات علنية. وهناك دعوات للجيوش الاجنبية بغزو سورية. ولذا يمكنك توقع رد فعل مبالغ فيه، لشيء ما لا يزال يحدث».

ويوم الثلاثاء الماضي، ادانت منظمة العفو الدولية الحملات السورية المتشددة وطالبت دمشق بالافراج عن «كل الذين قبض عليهم بسبب معتقداتهم». وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» انها ستبعث بخطاب الى الحكومة تحتج فيه على عمليات الاعتقال.

كما سعت الحكومة ايضا الى إرضاء التيار الديني المحافظ المتنامي، ليس فقط في سورية، ولكن ايضا في المنطقة والمتمثل في المزيد من الانتماء إلى الهوية الدينية والتوجه المتزايد نحو الحركات السياسية الدينية مثل حماس والإخوان المسلمين. وكانت جماعة الاخوان قد حصلت أخيرا على 88 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المصرية، بالرغم من جهود الحكومة المصرية لمنع أنصارها من التصويت.

ويقول مفكرون ومسؤولون دينيون ان الحكومة السورية ذهبت الى ابعد من ذلك بتخفيف القيود على العناصر الدينية المحافظة على نحو أكثر مما كان عليه في السابق، إذ عينت السلطات شيخا لتولي وزارة الشؤون الدينية، وسمحت للمرة الاولى بإقامة نشاطات دينية بملعب دمشق، كما سمحت بإلقاء حديث يؤكد اهمية الهوية وممارسة الواجبات الدينية على عسكريين. كما ان الرئيس بشار الأسد نفسه أشار تكرارا الى الهوية الدينية والثقافة في الخطابات التي ألقاها خلال الفترة السابقة. والأمر الأكثر إثارة للانتباه، كان قرار الحكومة في الآونة الاخيرة التراجع عن قرار سابق لها بالحد من النشاطات في المساجد، فقد أصدر وزير الشؤون الدينية قرارا بوقف كل النشاطات في المساجد باستثناء الصلاة، ولكن بعد بضعة اسابيع اعتبر القرار أكثر خطرا على حكومة يسيطر عليها العلويون، وهي طائفة تشكل اقلية، من الخطر المُحتمل لقيام تنظيمات سياسية وسط الغالبية السنية في البلاد. ويقول عبد القادر الكتاني، استاذ الدراسات الاسلامية بمعهد الفتح الاسلامي، ان الدين بالنسبة للحكومة السورية كان في السابق بمثابة كرة نار لكنها الآن تتعامل معه على نحو معاكس تماما. وأضاف الكتاني ان هناك عاملين دفعا النظام الحاكم في هذا الاتجاه؛ أولهما تأثير الشارع وثانيهما الضغوط الخارجية على النظام. ويعتقد مراقبون ان شعور دمشق الآن يختلف عما كان عليه قبل بضعة شهور عندما اصدر محققو مجلس الأمن تقريرا يشير الى تورط الدولة، وليس افرادا فقط، في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005، وان النظام السوري تحدى مجلس الأمن برفضه التعاون مع التحقيق. المحقق البلجيكي الجديد، سيرج براميرتز، آثر بهدوء الحد من الظهور المتكرر واتخذ منهجا اقل مواجهة مقارنة بسلفه المحقق الألماني ديتليف ميليس. وجاء رد فعل المسؤولين السوريين بالموافقة على إجراء لقاء بينه وبين الرئيس بشار الأسد. وطبقا لتقارير جماعات حقوق وإفادات أفراد قالوا انهم اعتقلوا بواسطة السلطات، فقد ازدادت منذ يناير (كانون الثاني) حملات الاعتقال في سورية منذ أن خفت الضغوط على دمشق. واعتقلت السلطات عمار قرابي، المتحدث السابق للجمعية العربية لحقوق الانسان في سورية، لمدة اربعة ايام لدى عودته من مؤتمرات سياسية في واشنطن وباريس. وفي حلب اعتقلت السلطات سمير نشار، وهو رجل أعمال وقائد معارض، لمدة ثلاثة ايام عقب عودته لسورية بعد ان شارك في مؤتمرات سياسية في الخارج. ويقول بعض الذين تعرضوا للاعتقال ان الغرض من الاعتقال ايصال رسالة محددة تتلخص في ان السلطات السورية لن تتسامح حيال أي اتصال بين رموز المعارضة الداخلية والحركة المعارضة المتزايدة في الخارج التي تجد تشجيعا من نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، الذي شكل في الآونة الاخيرة تحالفا مع تنظيم «الإخوان المسلمين» المحظور في سورية. وقال حسين العودات، أحد زعماء المعارضة في دمشق والذي اشار الى انه اعتقل الأسبوع الماضي من جانب قوات الأمن لمدة ساعتين «في هذه المرة أرادوا توجيه رسالة أو تحذير مفاده ان الاخوان المسلمين وخدام واحتجاجات الشوارع محظورون. وقالوا انه لأمر واضح واننا لن نرحم أحدا».وقال ايمن عبد النور، عضو حزب البعث، الذي حث على فكرة اصلاح الحزب من الداخل ان أمله كان قد خاب بحيث انه اعتزم نقل مشروعه، وهو موقع على الإنترنت يوفر فرصة للأصوات المطالبة بالاصلاح، من دمشق الى الامارات العربية المتحدة. وقال انه ابلغ بان الحزب يعتزم تطهير صفوفه من كل أولئك الذين يحملون اجندة اصلاح. وقال عبد النور «انهم يقولون انهم حددوا فترة معينة لشن الهجوم وإنهاء المعارضة».

وتقول «هيومن رايتس ووتش» وعدد منظمات حقوق الانسان في سورية ان ما لا يقل عن 30 شخصا من المعنيين بالقضايا السياسية وبحقوق الانسان قد اعتقلوا منذ يناير الماضي، وانه لم يسمع عن عدد منهم منذئذ. ويقول مسؤولون في منظمات حقوق الانسان في دمشق انه من المحتمل أن تكون الأعداد أعلى لأن معظم العوائل تشعر بخوف شديد من ابلاغ المنظمات عن الاعتقال.

واعتقل الروائي سامي العباس والشاعر فاروق حمد، الاثنين الماضي، بسبب لقائهما مع زعماء المعارضة، وفقا لما قالته رزان زيتونة من رابطة المعلومات عن حقوق الانسان السورية، وهي منظمة محلية.

ويقول محمد الهباش، عضو البرلمان والمدير العام لمركز الدراسات الاسلامية في دمشق، انه على الرغم من التقييدات، فان سورية اقل تشددا مما كانت عليه قبل خمسة أعوام عندما لم يكن مسموحا له اللقاء مع صحافي أجنبي. كما أنه اثنى على اجراءات الحكومة الأخيرة بتخفيف القيود على المؤسسات الدينية، قائلا «انهم يدركون اننا بحاجة الى سلطة اسلامية، خصوصا في هذا الوقت».