نجيب نصير

تحولت موضوعة الرأي العام العالمي إلى أيقونة "نق" متجددة بعد ان رافقتنا طويلا في زمن الشعارات والإعلام الجماهيري، وها هي تعود بحلل جديدة على رؤوس أقلام كتابنا المجلين كي يحولوها إلى حائط مبكى يعفيهم من النظر إلى حالنا، مقزمين المسألة إلى حالة إعلامية وحيدة الاتجاه تقصدنا نحن الـ (العرب) و(المسلمين) في قراءة إيديولوجية سياسية متناقضة مع ذاتها ومع العصر في آن واحد. والمطلوب بكل سذاجة "خلقها ربنا" ان يرى الرأي العام العالمي ما نراه نحن، والا فقد ناقض الغرب نفسه ولذا فعليه "يقع الحد"، وكأن رأينا العام (العربي) و (الإسلامي) جاء كما يشتهي هذا الغرب، أو اظهر ولو تفهما بسيطا لذهنية المجتمع المعاصر الذي وصل إليه، فتوحدت الرؤية إليه بغض النظر عن المنطلق (راديكالي أو أصولي اوعلمانوي حديث ام تراثي الخ) أن هذا الغرب المنحل أخلاقيا، المجدب روحيا، وغير الديمقراطي، المتناقض، ووو الخ، والاهم هو مكان الحلم التبشيري الذي يجب إصلاحه ولو بحد السيف أو بحد الديموغرافيا المهاجرة.

ربما كان كتابنا الأشاوس محقين فهم يعتبرون أننا كمجتمعات نمتلك دولة تشبه الدولة الغربية ولكنها أحسن من عدة نواح، والديمقراطية لدينا مرسلة ومفتوحة على عكس ديمقراطيتهم المصلحية والمتناقضة. كما لدينا منظومة روحية حلت الإشكال بين التراث والمعاصرة كي تحافظ على الخلق الحسن. هذا الاعتبار بالمساواة (طبعا لا اقصد المساواة كبشر) يجعل مناقشة موضوعة الرأي العام العالمي هي تعبير عن الألم والخيبة، بالإضافة إلى كونها مبرر للفشل القومي، نستلها من تحت الإبط كلما تذكرنا اننا لا نستطيع الانتصار في أية مواجهة، حتى لو كانت تنظيم السير.

ومع هذا، ولأنه ليس هناك ما هو رأي عام عالمي، وعلى فرض (وفقط فرض) انه موجود فهو متمثل في مواقف دول. أي انه تعبير بطريقة ما عن أراء مجتمعات ديمقراطية على الأقل، هذه المجتمعات تصنع رأيها ليس فقط من الدعاية الصهيونية الممولة بشكل جيد (طبعا ينقصها الحرامية وسارقي الميزانيات وهادريها ) وانما من صورتنا المقدمة لهم، فعندما يقف متحدث من مهاجرينا في السويد مثلا ويهاجم الاندماج ويرفضه فماذا على السويدي بربكم ان يقول (الاندماج قيمة عليا في المجتمع)، وهو الذي قدم من ضرائبه ثمن استقبال المهاجرين واحترام عاداتهم وتقاليدهم ولغاتهم كي يساويهم مع نفسه ويندمج معهم. ألا يجب ان نعذره على الأقل أو ان نتوقع تأسيس حركة عنصرية تعادي هكذا أناس. أو يقف احد الخطباء في هولندا ليقول: نحن المسلمون عام 2020 سوف نصبح أكثرية وعندها (وبالديمقراطية) سوف نحقق المصلحة الشرعية بإقامة المجتمع الإسلامي، ألا يخطر لنا ان هناك من له وطن مثلنا ولا يرى ما يراه هذا الحدث المفوه، وكذا قضية الحجاب الشهيرة في فرنسا، فدولنا تستطيع ان تصدر من القوانين ما شاءت ولكن فرنسا لا تستطيع لماذا؟ وما رأي الفرنسيين بموقفنا، هل نعيد عليكم ما يحصل في "الهايد بارك" الشهيرة، ام علينا إقناع الأمريكيين ان أبطال 11 أيلول هنودا حمرا ام ماذا ؟

انه رأي عام مجتمعي مبني على التجربة الشخصية والتأثير الإعلامي (فهم يقرؤون الجرائد تصوروا ؟) والأحداث العالمية وإحصائيات المنظمات الدولية، وعلى المقارنة العقلية عبر القيم والأخلاقيات المتجددة (جرائم الشرف مثالا) و على مستوى الحريات الاعتقادية، وعلى مستوى التطور الحقوقي الخ الخ الخ.. ولكنها كلها تجتمع في سياق ذهنية اجتماعية (مصنعة أو طبيعية ولكنها واقع) تعبر عن ذاتها بوسائلها المتوفرة، ان ما نطلبه من تعاطف رأي عام بشروطنا نحن أي ضمن مفهومنا الحقوقي لا يوفر لنا أكثر من دولة مثل أفغانستان الطالبانية كي تؤيدنا، وليس هناك احد في العالم مستعد ان يشعر بألمنا من وجهة نظرنا ولكنه يشاركنا ببعض جهده أو بعض مواقفه، إذا أحسنا الوصول إليه أو على الأقل الأقل الأقل ..... لم نؤذه