لا يزال محمد مهدي الجواهري يثير الجدل حول شعره وسيرته، برغم مرور سنوات على وفاته عن عمر قارب القرن. وفي دراسة حديثة (1) يربط الناقد الاستاذ جهاد فاضل بين الصراع القائم الان في العراق وبين حياة الجواهري وعمله الادبي. ويقول ان الدكتور ساطع العصري، احد رموز الحركة القومية الاوائل، طرد الجواهري من وظيفته كمعلم ابتدائي بسبب قصيدة ذم فيها العراق وتغزل بايران. غير ان الملك فيصل عاد وعينه موظفا في البلاط مراعاة لأصوله النجفية والأسرية. وقد اختلف النقاد والمؤرخون العراقيون في تقويم الجواهري من خلال ميول طائفية واضحة. فحاول البعض تدميره، بينما يقول الدكتور عبد اللطيف اطميش ان الجواهري هو الظاهرة الشعرية الوحيدة بعد المتنبي. غير ان سليم طه التكريتي الذي عمل مع الجواهري والذي مدحه الشاعر، انهال على شاعر الفرات بفأس حادة بعد صدور مذكراته. وقال ان الجواهري كان صنيعة نوري السعيد الذي اصدر له صحيفة «الفرات». وكان «الجواهري لا يسلمني راتبي، على ضآلته، مرة واحدة بل يسدده لي دينارا دينارا ثم لا يلبث ان يقترضه مني بعد دقائق (...) ومرة اقتنص ربع الدينار من جيبي بخفة».

وحرض الجواهري نوري السعيد على الفتك بخصومه:

فإن لم يرق بالتلطيف شعب فبالارهاب فليكن الرقي

ونظم الجواهري قصيدة يمتدح فيها بلاء السوفيات في معركة «ستالينغراد»، فطلب منه نوري السعيد ان يكتب قصيدة في مديح معركة «العلمين» والمارشال مونتغمري، ففعل:

ويا مونتغمري لو سقى القول فاتحا سقتك القوافي صفوها السلس العذبا

ولم يعطه نوري السعيد صحيفة فحسب بل مزرعة ايضا مع كامل معداتها، فتحول الى واحد من طبقة ملاك الاراضي. وكان يريد النيابة بأي ثمن فلم يبق فيها سوى 14 يوما. وانقلب على نوري السعيد وهجاه طويلا لكنه عاد فحاول انصافه في مذكراته وترحّم على ايامه مقارنة بعهد عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وصدام حسين. ويشير سليم التكريتي الى ان الجواهري لم يؤيد ثورة رشيد عالي الكيلاني او اي حركة قومية. ويقول المؤرخ عبد الحسين شعبان ان تلك مرحلة حاول الجواهري الاعتذار عنها مرارا عبر تأييده للمدّ القومي العربي، لكن الناس لم تنس له بداياته وخصوصا القصيدة في مدح ايران وذم العراق:

لي في العراق عصابة لولاهم ما كان محبوبا اليّ عراق

لا دجلة لولاهم، وهي التي عذبت تروق، ولا الفرات يراق

مدح الجوهري نوري السعيد وهجاه. وهجا العراق وهام به. ومدح الهاشميين ثم انكرهم. وتنقل في الغضب والرضى والولاء والهجاء كما تنقل في الدنيا ما بين وطن وغربة، وظل وطنه الاول الشعر الذي نظمه وكأنه يغرف من الفرات.