د. ثائر دوري

مفارقتان في الوطن العربي يمكن ملاحظتهما بسهولة . قديم بلباس جديد ، و جديد بلباس قديم الوضع الأول ، القديم باللباس جديد ، وضع يخص الأنظمة العربية الرسمية و محاولات ما يسمى بالإصلاح التي تقوم بها . فنراها تغير ملابسها و تضع الأصبغة و المساحيق على وجهها لتصطنع الشباب لكن بنيتها الداخلية كهلة مهترئة لم تعد تصلح للعصر . أنظمة تستورد أحدث منتجات التكنلوجيا و تتغنى بالأنترنت و أجهزة الاتصال الحديثة لكنها ما زالت تعيش في عقلية ماضوية أكل الزمان عليها و شرب و لم تعد تصلح لشيء فقد تجاوزتها الحياة لكنها كالعجوز المتصابية تصر على أنها ما زالت صالحة للغنج . و هكذا ينطبق عليها المثل الشهير :

 أرواح قديمة بملابس جديدة

على الجانب الآخر . هناك النهوض الشعبي المتعاظم يوماً بعد يوم و هذه حالة جديدة لم تعرفها أمتنا منذ مئات الأعوام . و كل يوم يزداد هذا الحضور الجماهيري فتتوسع ساحات المقاومة ضد العدو الصهيو – أمريكي ، و يثبت هذا الحضور فعالية ميدانية عجزت عنها دول عظمى ، فعلى سبيل المثال اجتاح الغرب الإتحاد السوفيتي و فككه دون أن يطلق الروس طلقة واحدة لمقاومة هذا الاجتياح ، أما في المنطقة العربية فها هي جيوش الأمريكان في العراق تتوحل و تفقد مبادرتها الميدانية و تتصرف بردود أفعال و لا تصل لنتيجة إلا إذا اعتبرنا القتل و التدمير و الخراب نتيجة !! و كذلك الوضع في فلسطين حيث استنفذ الصهاينة كل ما بحوزتهم من أدوات قتل فوصل بهم الأمر لاستعمال طائرة الـ F16 كأداة للاغتيال الفردي ، كالمسدس تماماً،بدون نتيجة . فالمقاومة متجذرة عصية على الاقتلاع . و يتكرر الأمر في لبنان ، حيث وصل المشروع الأمريكي إلى الحائط و ما زال سلاح المقاومة مرفوعاً في وجه العدو .......

و يوماً إثر يوم تصطف شعوب العالم من أمريكا اللاتينية إلى شرق آسيا وراء هذه الكتلة الجماهيرية المقاومة ، حيث أن مصير شعوب الأرض و تحررها من هيمنة القطب الأمريكي بات مرتبطاً عضوياً بمصير المعارك التي تخوضها أمتنا ، خاصة في الميدانين الفلسطيني و العراقي . لكن المفارقة تكمن بأن هذا النهوض غير المسبوق لم يجد الخطاب الذي يعبر عنه بعد و لم يجد طريقة يفهم نفسه بها و يفهم دوره في التاريخ و في العالم . فتراه يرفع شعارات من الماضي أو يحاول أن يفهم نفسه بالقياس إلى الماضي فيستعير من الماضي شعاراته و ألبسته و صيحات معاركه بينما هو منهمك في بناء المستقبل . على ما يذهب إليه ماركس في الثامن عشر من برومير . و هكذا نصل إلى وضع معاكس تماماً لوضع الأنظمة فنوصفه بأنه :

 أرواح جديدة بألبسة قديمة .

ربما كان هذا قانون تاريخي . لكن هذا الوضع يلقي على عاتق
المثقفين الوطنيين دوراً أكبر ، فقد أناط التاريخ بهم مهمة إنتاج خطاب متقدم يعبر تعبيراً حقيقياً عن هذه الجماهير المقاومة التي تحقق فعالية ميدانية هائلة و تؤدي وظيفة تاريخية إنسانية تتجاوز الإطار المحلي و العربي و الإسلامي إلى إطار كوني ، و بالتالي فإن الخطاب الذي ينطبق مع هذه المقاومات العربية – الإسلامية يجب أن يكون خطاباً وطنياً - قومياً – إسلاميا له بعد كوني .هنا يكمن الدور التاريخي للمثقفين فعليهم يقع الجهد الأساسي في بلورة هذا خطاب وطني – عربي – اسلامي ببعد كوني يلتحم بالمقاومة فيعبر عنها خير تعبير .