لمس اركان في قوى 14 آذار لدى لقائهم موفد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف مراقبة تطبيق القرار 1559 تيري رود- لارسن في زيارته الاخيرة لبيروت(23 آذار) تردداً في التعاطي الدولي مع لبنان، سرعان ما بلغ الى سفراء دول كبرى معنية بالقرار، فاستنفروا بدورهم جهودهم لدحض ما سمعوا. وفي واقع الحال، فإن التشاؤم الذي يكاد يطبق على بعض أركان 14 آذار ويفقدهم الأمل في إسقاط الرئيس إميل لحود، يعكس جانباً من الشعور بالتخلي الدولي، في الظاهر على الأقل. وهذا ما يعبّر عنه خصوصاً تزايد الدعوة الى الحوار مع دمشق قبل طي الصفحة الأخيرة من الحقبة السورية في لبنان. اذ لم تعد المشكلة في رئيس الجمهورية، وإنما معرفة سبل طرق أبواب الحوار اللبناني - السوري. إنه المسار الذي يبدو أن ثمة مَن يريد أن يقود 14 آذار اليه.

أولى إشارات التردد الدولي التي لمسها 14 آذار صدرت عن رود- لارسن. فبعدما كان التزم ما كانت الأمم المتحدة تؤكده، وهو أن مزارع شبعا سورية وخاضعة للقرار 242 منذ تحرير جنوب لبنان ورسم "الخط الأزرق" عام 2000، دعا في بيروت لبنان الى أن يجلس الى طاولة الحوار مع سوريا للاتفاق معها على ترسيم حدود مزارع شبعا. هذا الموقف اثار استغراب مصادر ديبلوماسية في سفارة دولة كبرى، إذ وجدته يتعارض مع "الاستراتيجيا" التي كانت رسمتها الأمم المتحدة سابقاً، وأبلغت مَن اتصل بها أنها لم تكن على علم مسبق بما قاله رود - لارسن الذي كشف فحوى ما سيضمّنه تقريره نصف السنوي الثاني في النصف الثاني من هذا الشهر ويرفعه الى الامين العام للأمم المتحدة. علماً أن مهمة الموفد الدولي في بيروت - والكلام للمصادر نفسها - هي جمع المعلومات تمهيداً لوضع تقريره. اضف تجاهله الكلام عن الموضوع الرئاسي الذي يشكل بدوره جزءاً لا يتجزأ من القرار 1559

وقد أعقبت هذا الموقف معطيات مهمة ثلاثة:

ما سمعه نواب لبنانيون من سفير دولة كبرى يعبّر عن انزعاجه من المأزق الذي بلغه الحوار الوطني في جولته الأخيرة، وتحديداً عدم بتّ الملف الرئاسي. ولاحظ السفير أمام هؤلاء النواب أن نصف اللبنانيين يريدون الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، والنصف الآخر يريدون أي مرشح إلاّه.

واورد ملاحظات أخرى أمام الحاضرين، أن اللبنانيين أخفقوا في استكمال اتفاقهم في الموضوع الرئاسي مشيراً ضمناً الى أن ليس في وسع بلاده تقديم دعم في هذا الشأن أكثر مما قدمت حتى الآن.

كلام ردده متابعون عن قرب للتحرك العربي المرتقب حيال لبنان، إذ وضعوا خطاً فاصلاً بين بذل جهود لإحياء الحوار اللبناني - السوري والمسألة الرئاسية في لبنان. ووفقاً لهؤلاء المتابعين، فإن على اللبنانيين ألا يتوقعوا تحرّكاً عربياً تقوده السعودية ومصر، ويؤدي الى مناقشة تنحّي لحود عن منصبه كون هذا الموضوع شأناً لبنانياً.

ويقرن المتابعون عن قرب للتحرك العربي موقفهم هذا ببضع إشارات عبّر عنها سلوك السفراء العرب المعتمدين في لبنان في تعاطيهم مع الوضع الداخلي، وفي شقه الرئاسي خصوصاً. ذلك انهم يحاذرون إطلاق اي تصريح يفهم منه أنهم يؤيدون فريقاً لبنانياً ضد آخر أو يتدخلون في الشؤون الداخلية. ويصح ذلك على موقف السفراء والديبلوماسيين العرب من الأكثرية النيابية ومن الفريق الآخر، وكذلك من رئيس الجمهورية. وفي تبسيط لموقفهم هذا فإن نظرتهم الى "شرعية" الرئيس اللبناني لا تتطابق مع نظرة فريق الغالبية، ولا تعني بالضرورة أنها تتجاهل هذه الغالبية، بل يتصرّفون كأنهم على حياد ما. فلحود لا يزال يحضر جلسات مجلس الوزراء ويترأسها ويتعامل معه فريق من اللبنانيين على أنه رئيس دستوري، والسفراء العرب لا يقاطعونه، كما أن مجلس النواب لم ينتخب رئيساً خلفاً له. والى ذلك كله فهو دُعي الى قمة الخرطوم الشهر الفائت بصفته رئيساً للبنان، وتعامل معه الرؤساء العرب على هذا النحو، وسلّموا بوجهة نظره في البيان الختامي للقمة العربية.

وتالياً يُدرج المتابعون للتحرك العربي عن قرب الأزمة الرئاسية اللبنانية في سياق خلاف داخلي ليس السفراء العرب طرفاً فيه. الأمر الذي حملهم، خلافاً للسفراء الأميركي والفرنسي والبريطاني خصوصاً، على وضع المشكلة في هذا النطاق المحدود. وهم بذلك يشددون على أن الدور العربي المرتقب سيقتصر على التمهيد لاستعادة البلدين الجارين علاقات طبيعية، تستند الى الأفكار نفسها التي كان تداولها التحرك العربي في كانون الأول الفائت، وتتعلق بإقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا وترسيم الحدود الدولية بينهما ولاسيما منها مزارع شبعا.

تقرير ديبلوماسي أميركي ورد على مسؤولين يتناول تقويم واشنطن لسياستها في لبنان وسوريا، ويتطرق الى الأفكار الآتية:

لا مجال للتشكيك في دعم الإدارة الأميركية الحوار الوطني في لبنان سبيلاً الى الإستقرار الداخلي والتفاهم. واستناداً الى أحد المسؤولين الأميركيين فانه "حتى إسرائيل لا تريد عدم الإستقرار في لبنان".

المسؤولون الأميركيون مرتاحون الى آلية الحوار الوطني التي انعكست على ممارسة السياسة في هذا البلد. ومع أن هذه السياسية لا تزال تشبه تلك التي اتبعت في السبعينات، فهي بعيدة عن الإقتتال نظراً الى عدم وجود أي طرف أجنبي على الأرض اللبنانية للتدخل في شؤون لبنان.

ينبغي ألا يقلل أحد أهمية الإستثمار الذي

وضعته واشنطن في لبنان، وهو دعم الديموقراطية ترجمة لما كان قاله الرئيس جورج بوش في أحد مؤتمراته الصحافية الأخيرة من أن الديموقراطية مسار شق طريقه من كابول الى بغداد فبيروت و"الى أبعد". ويشير ذلك ضمناً الى أن دعم الديموقراطية هو الإستثمار الأميركي الوحيد في لبنان.

ليس ثمة أفكار متعارضة حيال شخصية رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج برامرتس ودوره، إلا أن المسؤولين الأميركيين المعنيين بالتقرير يرون ان الرجل يختلف عن سلفه القاضي الألماني ديتليف ميليس، وإن الأول هو أقرب الى رولف إيكوس الذي ترأس لجنة التحقق الدولية التي كلفت البحث عن أسلحة دمار شامل في العراق وتدميرها قبل الإجتياح الأميركي له في نيسان 2004.

وتبعاً لما يورده التقرير فإن ديبلوماسياً سعودياً في واشنطن قال عن برامرتس إن في وسعه إتمام ما بدأه ميليس بـ"نعومة أكثر من تكتيك الدفع" الذي اعتمده الأخير. كذلك يستشهد بعبارة ديبلوماسي أوروبي في برامرتس هي أن من السهل عليه توجيه اتهام إذا تحقق منه، وأن يتقبّل منه الآخرون ذلك أكثر من ميليس ولا يكون عرضة للمآخذ والإنتقاد.

ثمة انطباع في الإدارة الأميركية بأن الرئيس السوري بشار الأسد عبر العاصفة في الوقت الحاضر. ووفقاً لما ذكره مسؤول أميركي بارز، فإن واشنطن بذلت ما في وسعها ضد سوريا، ولكن من غير أن تتصرّف على أن من السهل إسقاط نظام الأسد. وهو اعتبر ان الضغوط الأميركية على دمشق أثمرت، وإن لم تفضِ الى تقويض النظام.

إن الاولوية الأميركية في المنطقة هي للعراق أولاً وثانياً، إلا أن إيران بدأت تتسلل الى المرتبة الثالثة بسبب المسألة النووية. ومن جراء ذلك تراجعت جزئياً أهمية سوريا، مع أن مسؤوليين كباراً في الإدارة لا يزالون يتداولون فكرة البحث عن "قطيعة رمزية" لدمشق.