عاصم حنفى / روز اليوسف

لم يوضح فضيلة المفتى.. إن كانت الملائكة تدخل السينما.. وتشاهد التليفزيون وتستمتع بالفيديو.. أم أنها تخاصمها.. كما تخاصم البيوت التى تتزين بالصور والتماثيل.. وفتوى المفتى واضحة قاطعة تحرم الصور.. والسينما كما يعرف فضيلته صور متحركة.. فهل هى حرام هى الأخرى.. بما يستوجب القيام بهبة شعبية يقودها فضيلته.. ونحن وراءه.. لحرق دور العرض وتحطيم أجهزة التليفزيون وتكسير التماثيل.. على اعتبار أنها رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ياأولى الألباب!!

من حسن الحظ أن فتوى المفتى ليست بأثر رجعى.. فيطالبنا بالإبقاء على التماثيل فى الميادين.. وعدم تدمير آثارنا التاريخية.. من قبيل التعايش والصبر على ماهو قائم.. لكن الفتوى فى حقيقة الأمر تفتح الأبواب والشبابيك لفتاوى تالية.. ومن غير المستبعد أن يأتى إلينا فى الغد القريب مفتٍ جديد بفتوى مغلظة تحرم السابق واللاحق.. وتحض على الجهاد ضد تراثنا وتاريخنا، وذاكرتنا الإنسانية.. من الصور والتماثيل والمعابد والأضرحة.. ولا أعرف لماذا لم يفعلها المسلمون الأوائل، وقد فتحوا مصر.. فلماذا لم يدمروا الأهرام وأبوالهول والمسلات والتماثيل.. ومن الواضح أنها أصنام تتعارض مع صحيح الدين.. كما أفتى فضيلة المفتى المستنير!!

كنت أتصور أن المفتى بالذات يزن كلامه بميزان الذهب.. فيتمعن الأمور.. ويفكر فى العواقب.. ويدرس الظروف.. ويقلب المسائل فى عقله وفى قلبه.. ويستشير الحكماء.. حتى يخرج علينا فى نهاية الأمر بفتوى عاقلة.. لا أن يتورط فى سيل من الفتاوى على الماشى.. وقد تعود فأدمن الظهور التليفزيونى.. فصار نجما لا يبارى.. وهناك من المتنطعين من يجرجره إلى أفخاخ منصوبة.. وفى يوم الحب 14 فبراير .. والذى احتفل به التليفزيون كما المناسبات القومية.. استضافه المذيع الناصح وسأله عما إذا كان عيد الحب حلالا أم حراما.. وبدلا من أن يجيبه حضرة المفتى بما يردعه ويوقفه عن الاسترسال والاستسهال.. أجاب المفتى إجابة غامضة.. فأضاف المذيع المستظرف: وهل اللون الأحمر فى يوم الحب حلال أم حرام.. فأجاب المفتى بأنه يفضل اللون الأخضر..!!

و.. هكذا تأتى نوعية الأسئلة التليفزيونية لفضيلة المفتى المقيم فى المبنى التليفزيونى.. يجيب عفو الخاطر عن أسئلة قد تشعل النيران فى البيوت وتقلق المجتمع.. وهكذا يورطون فضيلة المفتى الذى يقع فى الفخ مثل الشاطر.. وقد استحل واستحلى الظهور التليفزيونى المكثف.. وكأنه يخضع لعمليات تلميع إعلامى.. وتجميل تليفزيونى.. وتقديمه فى نيولوك للمفتى العصرى.. مع أن الأولى به أن يمتنع ويتمنع.. وأن يكون ظهوره شحيحا.. حتى يكتسب الاحترام والتقدير والمصداقية.. لأنه من العيب والله أن تقلب القناة.. فتجد أن نانسى عجرم تتقصع فى القناة المجاورة للقناة التى يفتى فيها فضيلة المفتى.. لاتفصلهما سوى «تكة» على جهاز الريموت كنترول!!

و.. حتى الفتاوى تتطور يافضيلة المفتى.. طبقاً لطبيعة العصر.. وفتواك التى تحرم التماثيل وتحرم معها الصور والرسوم.. ليست فتوى عصرية.. بدليل أنك تسمح بنشر صورتك فى الجورنال.. وتسعى للظهور التليفزيونى.. والصور والرسوم كما تعلم.. ومعها السينما والتليفزيون .. تساعد الدين على الانتشار والتوسع.. لا بحد السيف كما فى الماضى.. وإنما بالإقناع وتقديم الصورة والقدوة والمثل الصالح..!!

فهل تنكر يافضيلة المفتى فضل التليفزيون كوسيلة للتخاطب والحوار والإقناع بين الشعوب وبين أبناء الوطن الواحد؟!! وهل ترى يافضيلة المفتى أن ديننا الحنيف هش إلى درجة أنه يتأثر بتمثال أو بصورة فنية أو فوتوغرافية؟! وألا تعتقد أن هناك من يحاول شد مصر للوراء.. وتصنيفها ضمن الدول التى تعادى الفن وتحرض على تكفير الفنان.. مع أن الفن هو الحضارة والوجدان وهو عنوان الأمة.. والتماثيل ليست أصناماً يافضيلة المفتى.. ثم ما هى الأصنام فى عصر العلم والتكنولوجيا والذرة والليزر والكمبيوتر..؟!

زمان.. وبعد أن تمكن النبى (صلى الله عليه وسلم) من فتح مكة.. ذهب للكعبة يطوف بها.. فأمر بإزالة الأصنام والرسوم المعلقة على جدران الكعبة.. كرموز للديانات المختلفة والمتعددة وقتها.. وعندما قاموا بإزالتها.. وشرعوا فى إزالة رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح.. حال الرسول (صلى الله عليه وسلم) بينهم وبين مسح الرسوم.. ووضع كفيه عليها قائلاً: «إلا هذه فنحن أولى بها».

والمعنى واضح.. والرسول (صلى الله عليه وسلم) يدافع عن الرسوم المسيحية.. على اعتبار أن الدين المسيحى هو الأقرب للديانة الإسلامية.. وبما يؤكد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ليس ضد الرسوم على إطلاقها.

أليس كذلك يافضيلة المفتى..؟!