يُكسب قول الرئيس المصري حسني مبارك انه طلب من نظيره السوري بشار الاسد ترسيم الحدود في مزارع شبعا الاكثرية النيابية ولبنان عموما نقطة اذ يظهر ان دولا عربية مؤثرة تؤيد وجهة نظر لبنان، وبالتالي فهي تتحرك بهدوء من اجل مساعدته علما ان هذه المساعدة كانت ستكون، في رأي كثيرين، اكثر فاعلية وتأثيرا لو ان موقفا عربيا داعما وواضحا من هذا النوع صدر عن اي قمة عربية او في قمم عربية ثنائية او غيرها. وعندئذ لا تترك الامور الى اجتماعات دولية في مجلس الامن ان تتخذ مواقف غالبا ما تجد الدول العربية ذرائع واحيانا حرجا في التزامها لاعتبارات تبرر في اكثر الاحيان بعدم الرغبة في الخضوع لقرارات بمضمون اميركي او اوروبي بغلاف دولي صادر عن الامم المتحدة. علما ان الدول العربية هي اعضاء في المنظمة الدولية وتلتزم من حيث المبدأ شرعية القرارات الصادرة عنها.

ولا يعتقد احد في ضوء اعلان الرئيس المصري ذلك في حديث صحافي او سواه ان تلتزم سوريا ما يطلب منها. اذ سبق للدول العربية ان لعبت ادوارا مختلفة في ايصال رسائل متعددة الى سوريا في شأن لبنان منذ قرارها التمديد للرئيس اميل لحود وقبل انسحابها من لبنان وخصوصا بعده على اثر العزلة الدولية التي فرضت عليها. وكان لهذه الاخيرة اجندتها الخاصة بحيث بدا انها تحاول ان تأخذ من اللقاءات مع الرؤساء العرب ما يناسبها من دون اعطاء اي شيء في المقابل اقله في مواضيع تحتل اولوية بالنسبة اليها وليست كذلك بالنسبة الى هؤلاء الرؤساء وخصوصا ما يتعلق منها بلبنان.

وتكشف مصادر في بيروت ان المجتمع الدولي وتحديدا بعض الدول المؤثرة فيه كالولايات المتحدة وفرنسا لا يطلب من مصر وكذلك من المملكة العربية السعودية ايصال الرسائل الدولية الى سوريا فحسب، بل لعب ادوار وساطة ايضا بمعنى تعريب هذه الرسائل لكي يسهل تقبلها.

لكن لا يبدو ان ما يحصل في الواقع يترجم طموحا على المستوى المطلوب وفق مصادر ديبلوماسية اوروبية ترى ان للدول العربية حساباتها الداخلية المتعلقة بكل منها من جهة وحساباتها الاقليمية والدولية من جهة اخرى، وان التقت مع المطالب والحسابات اللبنانية، فلكل من مصر والسعودية "مشكلاتها" الخاصة مع الولايات المتحدة على وجه التحديد وبرزت في الفترة الاخيرة مع مصر في ما خص تطورات داخلية فيها اكثر منه مع السعودية.

ولكل منهما مشكلتها مع سياسة الولايات المتحدة في العراق ايضا، فضلا عن انهما معا وكلا منهما بمفردها تحاولان تعزيز موقعهما الجيوسياسي في المنطقة وخصوصا في ضوء التهديد الذي يشكله التوسع او الانفلاش الايراني في العراق وفي غيره وصولا الى لبنان حيث القلق من التغلغل الايراني على صعد عدة اجتماعية وحتى سياسية اكبر بكثير مما هو معبر عنه عربيا حتى الآن. لكنه موضوع بالغ الخطورة والحساسية بعدما سلك بقوة اكبر نحو الدول العربية بعد وصول الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى السلطة. والسياسة الهادئة التي تمارسها الدول العربية مع سوريا احتوائية بهذا المعنى منعا لانزلاق سوري اكبر في اتجاه ايران او تجنبا لتشريع الابواب امامها على ما يحصل في لبنان عبر سوريا.

ولعل قول الرئيس المصري في حديثه ان غالبية الشيعة ولاؤها لايران وليس لدولها يختصر بقوة ما تواجهه الدول العربية على هذا الصعيد وما ترتب على ذلك من قرار بحوار اميركي مع ايران حول الوضع في العراق من اجل تأمين استقراره.

وتقول المصادر الديبلوماسية المعنية ان مصر والسعودية تحاولان ان تلعبا دور الوسيط القوي والفاعل في الخلافات الناشئة بين لبنان وسوريا وعلى الساحة الفلسطينية – الاسرائيلية وفي العراق ايضا من خلال اللجوء الى مزاوجة بين تورط مباشر وآخر غير مباشر في المفاوضات الجارية على صعيد كل هذه الملفات. لكن النجاح ليس دوما مؤكدا. وثمة من يعتبر انه ما لم تعرض "جزرة" ما على سوريا لمقايضتها ببعض ما هو مطلوب منها في الواقع، فانها لن تتجاوب، في الوقت الذي تجزم كل المعلومات الديبلوماسية الواردة من الخارج ان لا شيء معروضا على سوريا في الوقت الراهن ولا يوجد اي استعداد لتقديم اي شيء لها، بل ان الموقف منها لا يزال هو نفسه فيما يجزم حلفاء لها ان الوقت قد يكون لمصلحتها مع اضطرار الولايات المتحدة الى التحاور مع ايران في شأن العراق ومع انتخابات نصفية للكونغرس الاميركي في اول ثلثاء من تشرين الثاني المقبل قد تقلب الظروف بالنسبة اليها. ولذلك فان الاخذ والرد قد يطول فيرى اللبنانيون تقدما في الكلام على مبادرة عربية ثم تراجعا فيها في حين ان الامور اكثر تعقيدا ولا تتصل بالوضع اللبناني فحسب بل بحملة تطورات في المنطقة وحتى خارجها.

لكن الايجابية الاهم في كلام مبارك ان الاتفاق من خلال الحوار بين الافرقاء اللبنانيين على تثبيت لبنانية مزارع شبعا اعطاه كما يعطي العرب ورقة قوية ازاء ما هو مطلوب من سوريا. لذلك فان التجاذب قد يزداد اكثر في المرحلة المقبلة من اجل عدم توفير اوراق اخرى ان على صعيد رئاسة الجمهورية واكثر على صعيد سلاح "حزب الله".