محمد ح. الحاج

الأسود لون الحزن الأبدي، رمز الرسمية، والوقار ، ولست أفلسف ارتباطه بالدولة العباسية..، أهو بسبب كل الأحزان التي كانت منها، ولها، أم لوقار وهيبة، بل قسوة بعض خلفاء تلك المرحلة ، وبغداد ، عاصمة الأمس لبني العباس، هي اليوم، الأكثر حزنا بل وسواداً ، ربما بسبب اصطباغ الكثير من شوارعها بالأحمر القاني ، هل حقاً ... "سقطت بغداد" تحت حراب الهمجية الحديثة .

أجل ، هو اليوم ، ذكرى ما قالوا عنه " سقوط بغداد " بيد الأمريكان ، الغزاة .." المحررين " لبغداد كما يدعون، في مثل هذا اليوم منذ سنوات ثلاث ، أعلن قادة الجيش الغازي عن استسلام بغداد ، فقال قادة العربان : سقطت بغداد ، .. الأرجح ، أن الكثير منهم سقطوا قبلها بكثير .

التاريخ سجل سقوطاً لمدن كبرى، بل لدول وإمبراطوريات عظمى، سجل ذلك بكثير من الفخر، التاريخ ذاته يعيد نفسه ولكن، ليسجل بمنتهى الذل سقوط عاصمة عريقة، لم يثر سقوطها لدى مجتري التاريخ أكثر من بضع كلمات يرددونها ببلاهة ، ربما أكثر من بلاهة جورج بوش وهو يفلسف نصره في العراق ويعتبر أن قراره كان مصيباً رغم المعلومات الكاذبة لجورج تينيت واستخباراته المركزية، ورغم آلاف الأخطاء التي اعتبرتها السيدة كوندي ، مجرد أخطاء تكتيكية ، متى تعترف السيدة بأن إدارتها ذاتها سترتكب الخطأ الاستراتيجي الأشد هولاً في تاريخ العولمة ..." الحديثة " .

في منطقتنا نحن، لا يجرؤ أحد من أصحاب الصوت ... الصدى ، أن يتعرض لما حصل ، أهو خطأ، بل أخطاء تكتيكية، أم استراتيجية ..؟ ولا مجرد ذكر، حتى الترديد للمصطلحات المتداولة بين قادة أمريكا ، ممنوع تردادها ، ربما محظور ، وقد عودونا على الانضباط الشديد في حضرة " أولياء النعمة " ، ربما لو استشاروهم، أو استأذنوهم في الأمر لما منعوهم، المشكلة أنهم يخجلون من السؤال...! الصمت أكثر بلاغة ، لا حاجة لمزيد من وجع الرأس ... الشعوب في نعمة ، فلماذا الإثارة ، النعمة الأكبر في رقاد أشبه بالموات... أجل الشارع العربي ميت ،... ينتظر إصدار النعوة ، ربما صدرت في مكان ما .

مع حلول الذكرى الثالثة للهجوم الأمريكي على العراق .." عذراً .. فأنا لا أذكر اسم العاصفة " ، انطلقت في شوارع كل العواصم الكبرى التظاهرات منددة بالحرب، مطالبة بوقفها، وسحب ما تبقى من الأحياء من أبناء الدول المشاركة ،.. ضناً بدمائهم التي تذهب هدراً ، تسفك على مذبح المصالح الكبرى للشركات متعددة الجنسية لأصحابها أفراد الإدارات الأمريكية – البريطانية – الصهيونية ، وقليل من الأتباع في العالم ، هذا يحدث في العواصم الكبرى لدول القرار ، ... ربما في مدن أخرى . في عالمنا " المتعوس " لا تتحرك الدواجن، أصبح البشر كطيور الدجاج في المزارع الحديثة ، يتثاقلون في مشيتهم ، الدجاج لكثرة العلف والتسمين الصناعي، ونحن لنا التجويع والعصا ، صوت مقموع ، ورأي لا حساب له ... غير مسموع وماذا يعني سقوط عاصمة بني العباس ..؟ أكثرنا شامت، فبني العباس لا يعنون لنا الكثير.

يتساءل البعض بخبث : إن مجرد نشر صور كاريكاتيرية للرسول ( ص ) أقام الدنيا ولم يقعدها " طبعاً مع التنويه أن الإثارة حصلت بعد الواقعة بنصف عام " ، معهم كل الحق ، فهذا اعتداء صارخ على المقدس، ونحن أكثر الشعوب ميتافيزيقية ، وشعائرنا أكثرها قداسة ، لكن البعض يقول أن التحرك كان بالأمر ... أي بناء على توجيه، فالدلائل كثيرة أن حركة الشارع منضبطة ، وموظفة لأغراض الأنظمة ، ولولا ذلك ما تجرأ أحد على الخروج ، أهي حقوق الإنسان ..؟ أم حقوق المقدس ..؟ حتى المقدس ، تكون مناصرته بالتقنين... وعند الحاجة .

في كل العالم يتحرك الشارع ( بالمعنى المجازي ) أي البشر انطلاقاً من تحسس مصالحهم ، أي بسبب ما يمس هذه المصالح وما يتعلق منها بالمعيشة حصراً ... بالحياة ، الكل يعيش، ويختلف نوع العيش ، حتى الحيوانات تعيش ، لكنها أكثر حرية في الغابة ، برغم شريعة الغاب ، شارعنا مضبوط الإيقاع ، منتظم التوقيت ، وعصا المايسترو لها سحرها، بل لها فاعليتها، المايسترو هو الأنجح .

البلادة تسيطر على مشاعر الشارع، هو يشعر بما يحصل، شارعنا متابع نشيط ، لكنه فقد ديناميكية الحركة، ينتظر من يأمر بالحركة فيتحرك، وتأتي حركته عنيفة في كثير من الأحيان ، يحطم ، يحرق ، يخرج عن المألوف تنفيساً لكربته ، الأفضل أن يبقى محتقناً حتى لا تكون الغرامة كبيرة ، ألهذا لم يحرك المايسترو عصاه إيذاناً ببدء عزف السيمفونية ..؟

صدرت النعوة ، كل العربان ، القادة منهم والأتباع ينعون إليكم بمزيد من الرضا والفرحة موت فقيدهم غير المأسوف على حيويته ونضارته ... الشارع العربي ، لكم من بعده طول البقاء .

حاشية : لم تذكر أية وكالة عربية أو عالمية أن مجرد مائة شخص تحركوا في زاروب عربي مستنكرين سقوط عاصمة الأسود ، أو مطالبين بوقف إذلالها الذي لم يتوقف حتى اللحظة ، ... أنصح كل الكيانات في العالم العربي أن تحذف الأسود من بين ألوان أعلامها " الوطنية " .