تهنئتنا، بل شكرنا للسيد سلطان أبو العينين (أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية المبرّأ حديثاً من جرمٍ كان قد استوجب حكماً، صحيح غيابياً ولكن... بالاعدام؛ واسقط غيابياً كذلك!).

تهنئتنا له لأنه تحدّث بلغة لم نألفها من مواطنيه في الزمن الأخير اذ أكّد: "اننا لن نغرز خناجرنا في ظهور اخوتنا في حركة "حماس" وسنمارس المعارضة التي تحمي المشروع الوطني الفلسطيني الذي هو أكبر من "حماس" و"فتح" ومن كل الفصائل على اختلافها".

هكذا، يكون أبو العينين قد رفض الانزلاق الى احدى تلك "الحروب الأهلية" (والزمن زمانها) التي حفل بها تاريخ الثورات الفلسطينية منذ ثلاثينات القرن السابق وكانت تضيّع على أنبل الثورات العربية فرص نجاحها في وجه العدو العدو حين كان يخترع هو "فصائل" الارهاب (هاغانا، شترن، ايرغون!!!) التي صارت اسرائيل تتهم العرب والاسلام باحتكار الارهاب المنسوب الى جهاده الزائف.

و"الحرب الأهلية" الفلسطينية التي تحاشى أبو العينين الانزلاق اليها هي بالذات تلك التي حاول استدراجه و"حماس" الى خوضها السيد احمد جبريل المرئِّس نفسه على "الجبهة (المحدودة!) الشعبية"، وقد طاف في لبنان موفداً من دمشقٍ ما عيّنته "وسيطاً" بينها وبين لبنان، فعاد من جولته ليقذف رئيس الحكومة اللبنانية بما يستطيبه لسانه وألسنة موفديه من التعابير المهينة، فضلاً عن طرح الشروط الهمايونية على "الوطن الصغير" لبنان الذي استضاف مواطنيه الفلسطينيين – وربما أسرف في الاستضافة – فاستباحوه ساحةً لحروبهم الأهلية كما سواها (مع سوريا، مثلاً) عندما ضلّوا الطريق الى اورشليم المقدسة واعلنوا، وظنّوا، انها تمر حتى من جونيه وصنين.

فمبروك للإخوان الفلسطينيين اهتداؤهم الى الديمقراطية – وقد سبق لهم ان مارسوها فترات حتى في مخيمات تشريدهم، ورغم الحاجة التي كانت الى الثورة اولاً – وكان ابرز امثولاتها فوز "حماس" بما لم تكن، حتى هي، تتوقعه، مما أربك المجتمع السياسي الاسرائيلي الذي انساق الى اخطر انقساماته والهزائم الانتخابية المحبطة... كما اربك هذا الفوز حتى الدول الغربية التي كانت تتمناه، فاذا بها في حيرة من التجاوب مع ايجابياته، ولكنها حتماً فاعلة بعد صحوة.

من هنا تحذيرنا ان تقع الفصائل الفلسطينية في الفخ الذي تنصبه لها الشقيقة "العزيزة" سوريا (في حلفٍ موضوعيّ غير منظورٍ ولا معلَنٍ بالطبع مع عدوها الدائم الألدّ، اسرائيل)...

والفخ المتعدد البعد والجبهات يبدأ بإثارة حربٍ فلسطينية – لبنانية، مرة اخرى (وهو الهاجس الاسرائيلي المفضّل منذ ستينات القرن السابق وصولاً الى 1973 فـ1975 وما تلاها)... ثم تحريض الفصائل على ادعاء ركوب مركب "المعارضة الديموقراطية – البرلمانية" ضد حكومة "حماس"، انما تصعيد العنف خلالها الى حدٍ يختلط فيه مع الارهاب الاسرائيلي، فتسقط مؤسسات الدولة الفلسطينية اليافعة قبل ان يكتمل نموها، في ساحة المواجهات العنفية التي تنتقل، ولا أسهل، من المخيمات اللبنانية أو "الحدود الشمالية" الى مخيمات "الاراضي المحتلة" ثم غزة نفسها...

والعوض بسلامة الدولة الفلسطينية وباقي أحلام الثورة و"خريطة الطريق" (من غير شر!) و"الرباعي الدولي" الطيب الذكر!... ولا اسهل.

تهانينا اخيراً للرئيس السنيورة وللنائب سعد الحريري، رئيس "الأكثرية البرلمانية" لاعتصامهما بالصمت وتجاهلهما الإهانة والإساءة كمن "لم رأينا، لم سمعنا"... وأقلّ ما ندعوهما اليه، وسائر من جال عليهم "وسيط الخير" الذي ينقلب شراً، السيد احمد جبريل...

أقلّ ما ندعوهم اليه هو ان يكون الجواب اللبناني الوحيد: الاستمرار في منع "الانتشار المسلح" خارج المخيمات في أقرب وقت، ومنع تدفّق السلاح، من أين أتى، سورياً كان أم مجهول الهوية؟

ثم الإستمرار في الإلحاح على ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي، وخصوصاً على خلفية ارتفاع النغمات العتاق حول ما كان يقال من قيام "دويلات" (درزية وعلوية الخ....) على اشلاء مملكة فيصل الأول الكبير و"ألوية" كلواء اسكندرون الذي فجأة يتذكّرون، بينما تدعو الدول المتاخمة التي تحتضن مجموعات كردية – تدعو دمشق الى المفاوضة حول مشاريع كردستانات على النسق العراقي!!!

... ويستوردون "التفاح الجولاني" من المصدّرين الاسرائيليين بدل ارسال مجاهدين لتحرير الجولان، الذي لا يمكن ان يكون "بديل" لبنان في أية مقايضة، ولو كانوا يكرّرون رفض مبادلته سفيراً بسفير، كي لا يشكل ذلك اعترافاً باستقلاله (كما يكررون) رغم ثورتين... بل ثلاث واربع، أهمها الثورة الدرزية في عشرينات القرن الماضي.

و"السلام على من اتّبع الهدى"!