تبقى النقطة الضائعة في مفهوم "الطبقة الوسطى" غامضة في عصر العولمة، الذي أنهى عمليا المصالحة المباشرة للشرائح الاجتماعية داخل "الوطن". فالعولمة أنهت عمليا خصوصيات الإنتاج التي ظلت مسيطرة داخل المجتمع طوال القرن العشرين ... ولكن السؤال: كيف استطاعت النقابات الفرنسية شطب الحسابات وصياغة صورة تعيدنا إلى "المجد" الخاص لـ"الطبقة الوسطى"؟! فهذا السؤال لاحقنا ضمن حدث لم نشهده منذ سنوات، لكنه قدم لنا تعبيرا حقيقيا عن الفعل الاجتماعي المرتبط مباشرة بمصالح مختلف الشرائح داخل الدولة الحديثة. والمسألة ليست صوابية التشريع الفرنسي الجديد، أو حتى طبيعة ما تريده النقابات بتحركها، لكن ما حدث يوضح أن مقياس العمل العام هو دخوله في عمق الاحتياجات الخاصة للطبقة الوسطى. والمثال الفرنسي هو الأكثر وضوحا في الآلية التي اعتمدت لسحب القانون، بعد أن أصبحت فرنسا ضمن واقع من الافتراق، أو التحدي السياسي، فتم سحب القانون من قبل واضعيه ليبدأ بحث تشريعي جديد باتجاه قانون يرضي الجميع.

وربما تظهر الأحداث الفرنسية نوعية خاصة لارتباط العمل النقابي مع الشرائح المسماة اصطلاحا الطبقة الوسطى، وتقدم مؤشرات على أن هذه "الطبقة" ربما لا تظهر على سطح الشأن العام دون النقابات، وفي نفس الوقت فهي مولد أيضا لأشكال السياسي ولتتطور "العمل العام" في صورته الملموسة والمباشرة. وبهذا الشكل فإن النقابات تبدو أكثر تعبيرا من الأحزاب نفسها عن مصالح المجتمع، حتى ولو وصفت هذه المصالح بأنها "مطلبية" أو لا تنظر إلى "البعد" القومي، فالمسألة هنا هي واقع لا يمكن تجاهله، أو تجاوز آلياته عبر "سياسات عليا" تحاول تطويق الطبقة الوسطى باستيعاب أدواتها الأساسية ... النقابات ....

صورة العمل النقابي ربما تحتاج لصياغة جديدة، أو لتحريرها من النمط التقليدي كمجال صراع سياسي غير معلن بين المعارضة والحكومة، وإذا كان من الصعب تخيل عمل نقابي بعيد عن السياسة، فإن الأمر يرتبط أساسا بالأغراض النهائية لهذا العمل ... فالنقابات قادرة على دعم البرامج السياسية أو محاربتها، لكنها في النهاية يجب أن تعبر عن جمهورها من شرائح القطاعات الإنتاجية المختلفة.

العمل النقابي اليوم ربما يعطينا في النموذج الفرنسي مجالا واسعا لإعادة الاعتبار له على أساس هدف "الإصلاح" أو التقدم نحو المستقبل، لكنه يحتاج أيضا إلى رسم جديد يعيد تشكيل النقابة كعمل تعاوني على أساس من فهم دوره كعامل قادر على دعم الطبقة الوسطى باستمرار.