نزار صبـــاغ

أحاول جاهداً الابتعاد عن التوتر قدر الإمكان ، أقبل بما يتكرر أحياناً من أفعال صادرة عن المواطنين لأنها قد تكون في غالبها ، بمثابة رد فعل عن المنغصات اليومية التي يعيشونها في أعمالهم واحتكاكهم مع الغير ، وبخاصة مع من يعتبر نفسه وصياً ، أو متفوقاً ، أو الذي يعيش في واقعه ... أحلام يقظته ، ويحاول فرضه على الغير .

قد يكون أكبر مثال حقيقي عن ذلك ، ما تورده الصحف المحلية اليومية ، عن أخبار المحافظة والمحافظين والمسؤولين ، وعن انجازاتهم وجولاتهم وتوجيهاتهم .. وصورهم وهم مبتسمين ، ضاحكين ، مفكرين ومجتمعين .. كما صورهم وهم يبدون اهتمامهم بشؤون المواطن ، كما أجوبتهم عن شكاوى المواطن كائناً من كان ، وسرعتهم في حلها ...

بحيث أصبحت الصحف اليومية تسمى عند سواد الناس بأسماء المحافظين أو أمناء الفروع الحزبية ، أو بالتناوب وفقاً لغزارة الصور والأخبار على الصفحات ، وذلك عوضاً عن أسمائها المطبوعة بالخط العريض في رأس الصفحة الأولى ، وبالخط العادي في الصفحات الداخلية . وكأنها أصبحت من الصحف الخاصة ........

وعند السؤال عن السبب و التقصي والاستفسار والمتابعة والاهتمام بمعرفة الجواب ، يتضح وجود حالة شبه مزمنة من الصراع الوظيفي الدائم ، عند الصحفيين الموظفين الحكوميين والعاملين في الصحافة المحلية ....

فبوجود الكثير من "الصحفيين الموظفين الحكوميين" و "المخضرمين" الذين عاصروا عديداً من أمناء الفروع والمحافظين ، ومع تخريج أجيال صحفية جديدة تسعى وراء وظائف حكومية صحفية ، تحدث أجواء من المنافسة لنيل ما يطلق عليه " سبق صحفي وظيفي حكومي " وصولاً إلى " كسب الرضا " الذي يضطر ممارسه إلى بذل المزيد من الجهد في تدبيج العبارات والحرفة في اللقطات الفوتوغرافية وإبراز وإظهار الكم الكبير من الإنجازات ....

وما أدراك ما الإنجازات يا صاح ..!

أهمها التجيير ( مِنْ جيًر )... فبالتجيير ، وانذهال الغير من هكذا مواضيع ، وإحجام المعنيين احتياطاً ومهابة الصحافة المحلية من تلبية طلب التصحيح ، يتكرس الأمر كقاعدة عند الصحفيين الموظفيين الحكوميين ، وعند الصحف المحلية والمكاتب الصحفية العائدة للكبار من المسؤولين ، وكقاعدة عند المحافظين الذين قد يتوجهون بالعتب إلى "الصحفيين الموظفين الحكوميين " بداية ، وبطريقة حضارية هامسة ناعمة ، ثم يغضون أبصارهم لسبب مجهول (؟) .

أهم مضطرون إلى ذلك أم أنه عملاً بقاعدة " داء الفالج لا تعالج " .. ؟ إن صحّ الأمر.

قد يكون من المفيد توجيه وتكرار التساؤل المشروع والمعروف : هل أن ما ينشر عبارة عن تزلف مفضوح أم تلبية لتوجيه مقصود ؟ . لأن مثل هكذا أخبار تنشر حتى ضمن المواقع الالكترونية الرسمية الخاصة بأخبار المحافظة . كما يفترض .

ويبقى التساؤل قائماً : لم السماح بمثل هكذا أحداث ، وأخبار ، وتخصيص ، وتجيير ...؟

يكمن جزء من المشكلة في بعض الإهمال ، وفي تجاوز ما هو منطقي ومطلوب ، سواء من خلال إجراء اللقاءات الصحفية الحقيقية اللازمة مع أصحاب العلاقة الأساسيين ، إيضاحاً للحقائق ولبعض الأمور التي قد تكون مبهمة لبعض الصحفيين باعتبارها جديدة نسبة إلى ما يحملوه من مخزون ثقافي ، أم من خلال التقيد بما يذكره أصحاب العلاقة المباشرين وعدم إجراء أي تحوير أو تبديل أو إضافة فيه .

كما يكمن في الكثير من حالات الرضى الداخلي من المسؤولين ، إثباتاً للتفوق ولغيره من الحالات كما يقول لنا : علم النفس .

فبالتجيير أيها السادة ، وبنتائج التجيير ، تتغير الكثير من الأمور ، وقد تتغير الألوان والصور والكلمات إلى ما هناك من شكليات فقط ...... دون أن تتغير الحقائق .

تلك الحقائق التي يعرفها الجميع والتي تنعكس على أصحاب التجيير من الممارسين أو المشمولين بالغاية منه ، تلك الحقائق التي لا يمكن لها أن تدخل في خانة الإنجازات الكلامية ، التي يعتمدها غيباً الكثير من المسؤولين ، والتي ترددها كالببغاوات الكثير من الصحافة المحلية .....

الصحافة التي يحاول البعض جاهداً أن تنطبق عليها تسمية "السلطة الرابعة " ، والتي يعمل البعض الآخر جاهداً أن يقال عنها "صحافة حرة " . والتي يتمسك "المجيّرون" بنقائها وصفائها (؟) لبقائها تحت الاسم والصفة الذي يطلقه عليها ، أولئك المغرضون من سواد الناس ، الذين يطلق عليهم تسمية "المواطنين" .....