حسين الياسري

وصل الرئيس المصري إلى السلطة قبل ربع قرن عندما كنا صغارا نلعب في الأحياء ونسمع دوي القنابل من وقت لآخر. فلم يكن لحكومته أن طالبت أو توسطت لوقف الحرب بين العراق وإيران، ولم نسمع منه كلمة عن ولاء الشيعة لإيران فقد كان شعب العراق في الحرب ينتصر لدولته ظالمة كانت أو مظلومة. وشعب العراق، الذي سعى كل غاز ومحتل لاستعمال غناه وتنوعه الديني والقومي لتقسيمه وإضعافه، كان دائما يقف في لحظات الخطر في عرس الوحدة الوطنية ضد التجزئة. الشيعة والسنة، العرب والأكراد، النصارى والمسلمين، المتدينين والعلمانيين، يشدون إزر بعضهم بعضا.

والعراق جسر بين العروبة والإسلام، وجسر بين الشعوب. فهو يفتح الأفق بتركمانه على الجارة الشمالية، ويفتح الباب بشيعته على الجارة الشرقية، ليكون مركز أي تقارب بين العرب والفرس، بين الأتراك والأكراد. لهذا استهدف العراق، ولهذا يشكل النموذج العراقي موضوع خوف لأقزام الحكام الذين يقبضون مرتباتهم من واشنطن ويعوضون مساعداتها المضحكة بخدمات تسمى بالمصطلح الدبلوماسي: جليلة..

من أنت يا حسني مبارك، يا من ينجح بالبلطجية والنقود الأمريكية، لتتحدث عن وطنية الشيعة أبناء ثورة العشرين؟ من أنت يا مبارك، يا بتاع كامب ديفيد وطابة ليخيل لك أن قبلة الشيعة الأولى في العالم "النجف" قد تحولت إلى مدن أخرى مقدسة ومحترمة، ولكن لا يرقى لشيعي أو مسلم في العالم أن يضعها في مكانة مدينة الإمام على. من أنت يا مبارك، لتتحدث في العروبة والوطنية وقد وضعت التجربة الناصرية في سوق النخاسة وبعت كرامة وسمعة مصر بأرخص الأثمان.

مصر الحقيقية قادمة، مصر التي تعرف معنى الحضارة ومعنى الكرامة، مصر التي ترى في العراق عمقها ومكملها، ويرى فيها العراق الصديق الصدوق، لا مصدر الغدر يوم العدوان ومصدر التشويش يوم الأزمة..

أما العراق فسيتعافى بكل مقاوميه ومواطنيه
وعندها سيمد اليد لشعب مصر، لا لمبارك وزبانيته، أو للحثالات التي أنجبها عهده من موظفي الوكالات الأمريكية للتمدن على الطريقة الاستعمارية.