لوموند 6/4/2006(سيلفان سيبيل)

إرادة" الانفصال " عن الفلسطينيين راسمين حدوداً جديدة للبلاد, انهيار أسطورة "إيريتز إسرائيل" –أرض إسرائيل – وعودة المشكلة الاجتماعية هي الأسئلة الثلاثة الرئيسية المطروحة على المجتمع الإسرائيلي , كما خرجت من صناديق الانتخابات في 28 آذار.

الانفصال ؟ لقد فرضه حزب كاديما كعقدة المعركة الداخلية . ورغم أنه لم يحقق النجاح الذي كان يأمل به , فإن هذه الفكرة هي التي أوصلت الحزب إلى الحكم. وبأغلبية 75% , تعلّق اليهود الإسرائيليون بفكرة " الطلاق الضروري" مع الفلسطينيين .

انهيار مبدأ "إيريتز إسرائيل " ؟ لقد طحنت هذه الفكرة ممثليها – الليكود والتجمع الوطني_. إن فكرة أن الانفصال يتطلب بالضرورة الانسحاب, بعد غزّة , من أراضٍ فلسطينية أخرى , وبدون مفاوضات , أصبحت للأسف قناعة الأكثرية العظمى للإسرائيليين . وأهمية هذه الظاهرة تكمن بأنه منذ انتصارات حزيران 1967, صارت أسطورة الأرض ( شرعية الاحتلال , الأماكن المقدسة ...) متأصلة في الضمائر الإسرائيلية , بعيداً جداً عن المجال السياسي- الانتخابي.

المشكلة الاجتماعية ؟ اتضّحت أبعادها فيما حققه العمال من أصوات , على الرغم من اتجاه بعض الحكام التاريخيين نحو كاديما , وبروز حزب المتقاعدين , بسبب القطع المفاجئ في الميزانيات الاجتماعية والتقاعدية الذي أنجزه ناتانياهو , وزير الاقتصاد في حكومة شارون- بيريز.

وبقي أن نذكر حالة رابعة قوية : كيف نفسر مستوى عدم المشاركة القياسي, الذي لم يسجل منذ خلق الدولة اليهودية ؟ بالتأكيد , هذا راجع جزئياً إلى غياب آرييل شارون. فبحضوره , كانت يتوقع أن تكون المشاركة العامة ونتائج كاديما أكثر أهمية , على أمل أن يوضع مصير الحزب بين يدي "رجل قوي", قادر على إخراج البلاد من صعوباتها , وهذه الفكرة انشرت في إسرائيل خلال السنتين الماضيتين .

ولكن بغياب شارون , فإن الامتناع يظهر بشكل خاص بهذا الإحباط المنتشر بين عدد من الإسرائيليين اليوم . وهو يأتي أولاً من النتائج المستنتجة من المرحلة الحالية , من انهيار المفاوضات (1993-2000) , فالغالبية خرجوا مقتنعين بأن الفلسطينيين "لا يريدون السلام" أو أن السلام مستحيل , لأنه يفرض تنازلات غير مقبولة ( انسحاب لحدود 1967, تقسيم القدس, الاعتراف بحق العودة للمهجرين).

لقد انتزعت الانتفاضة الثانية (2000-2005) أحلام الاسرائيليين . في البداية تبنّى الإسرائيليون سياسة العقوبة الرادعة على الفلسطينيين – الحرب ضد الإرهاب , ولكن كان ذلك ضد الاستقرار في المجتمع . حيث أن تركيع الفلسطينيين لم يكرههم على التخلي عن قوميتهم . وبعيداً عن الشعور بحلاوة النصر , ترافق قمع الانتفاضة مع الشعور المتزايد في إسرائيل بأن " سياسة القوة" وحدها لن تغير شيئاً في العمق .

وهكذا تطورت الأمور نحو الانسحاب من غزّة وفكرة الانفصال . فإذا كان السلام غير ممكن مواجهته والقوة غير قادرة , يبقى فقط الأمل ب"العيش بدون الفلسطينيين". وترجمة هذه الأمنيات تمثلت في فوز الحزب المسمى بيتنا إسرائيل , هذا التجمع الذي يتبنّى المنطق الاثني في الانفصال وذلك في صورته الأكثر تطرّفاً , والتي تتجلّى في إبعاد أكبر عدد ممكن من العرب الاسرائيليين ( وتعدادهم 1,2 مليون) خارج حدود إسرائيل المستقبلية , إلى فلسطين . بالنسبة لكاديما , فالمطلوب فقط إخلاء المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية الموجودة في الضفة , مع الاحتفاظ بالغنائم الاسرائيلية الأساسية.

شكوك جديدة

ولكن , بمجرد انتشار هذه الفكرة بدأت تظهر شكوك جديدة . لأنها تحمل أمنيات أكبر من المشروع الواقعي . فلحدوث الطلاق , إما أن يتم الاتفاق على الشروط , والقاضي يوافق , أو تظهر الاختلافات والقاضي يقرر . ولكن الانفصال الذي يقرر فيه أحد الطرفين لوحده الاحتفاظ بالأولاد والبيت والسيارة ...ويعرض على الآخر" الحرية" إذا أرادها ليس طلاقاً إنّه تعسّف . على اليسار , ارتفعت أصوات أثناء الانتخابات تقول: هذا السلوك خيالي , وسوف يتداعى مثل سابقيه .

ومع ذلك فإن " الحدود الجديدة" الإسرائيلية بدأت تترسخ في الواقع مع الحياة اليومية. لقد حرّر مكتب التنسيق للأعمال الإنسلنية للأمم المتحدّة تقريراً ( قائمة وتحليل أعمال إغلاق الضفة , كانون الثاني 2006) مفصّلاً الإجراءات المتعدة التي اتّخذها الجيش الاسرائيلي. ونشرت الصحفية أميرة حاس , في هاآريتز, سلسلة مقالات قبل إعلان نتائج الاستفتاء الذي يقرما جاء في التقرير .

وبين "الجدار" , ودزّينة الحواجز الضخمة المسلّحة , وال470 نقطة تفتيش , والشوارع الممنوعة على الفلسطينيين , وال"المناطق العسكرية المسلّحة " على 35% من الضفة الغربية , وسياسة الإبعاد , ارتسمت الحدود التي تختصر الأراضي الفلسطينية إلى أقصى حد وتقسم الباقي منها إلى كانتونات تحتفظ حولها إسرائيل بكل هيمنتها . وفي أعماقهم يعلم عدد من الإسرائيليين أنه لاحماس ولاحتى أبومازن سوف يقبل بدولة ضمن هذه الحدود التي ترسمها لهم إسرائيل.

ولما كان الإسرائيلي غير ملتزم لا بمصير ولا بمشاعر الآخرين, فكيف لايخاف أن توّلد هذه الحدود انتفاضة فلسطينية جديدة عندما يستعيد الجيل الشاب بناء قوته ؟

ولسخرية القدر , فإن الانقلاب الذي أسفرت عنه الانتخابات والذي طال الفلسطينيين والإسرائيليين , نال من حظ الأوائل ووضع الآخرين أمام خيار صعب..يقولون الآن , لابمكن التفاوض مع حماس لا تعترف بالدولة اليهودية. ولايهم أنهم قبل ذلك لم يتفاوضوا مع أبومازن , الذي كان يطالبهم بذلك بإلحاح . للأسف , تواجه إسرائيل محاوراً مقلقاً ولكنّه يتناول لغة من الصعب تجنبها : ليس من الضوري الاعتراف بإسرائيل أو التفاوض معها , لأن شروط المفاوضات معروفة مسبقاً . يكفي أن تضع إسرائيل نهاية للاحتلال , بانسحابها حتى حدود 1967, فتقبل حماس بهدنة دائمة.

وطبعاً لا أمل بأن تقبل إسرائيل بهذا الشرط , وليس بمقدور حماس فرضه عليها. حركات المجتمعين هي من أعراض التغيير العميق الذي أنتجه فشل محاولة السلام . في قديم الزمان , كان "السلام" يسبب نهاية الاحتلال . للأسف , فإن إنهاء الاحتلال فعلياً هو الذي يسبب ليس فقط السلام , ولكن استمراريته في المستقبل, ربما , يوماً ما ...