سورية الغد

ربما لم يعد الحديث مجديا، لان عصر القوميات قد أفل، ولكن دعونا نقول ان الامة ليست بدهية كما انها ليست اشتقاقا لغويا، كما انها ليست موجودة من الأزل والى الأبد. فالامة اختراع حديث، ومفهوم معرفي تم العمل به، كالدولة والديمقراطية والمحرك الانفجاري والكومبيوتر الخ..

ولم يعد يجدي وهم القول اننا امة موجودة، فعدم الانتقال من الحيز المعلومي الى الحيز المعرفي هو ليس فشلا فحسب؛ انه خطأ في المعلومة المنتقاة ضمن قياسات الفخر والتفاخر، فقول كنا امة واحدة في الماضي، جملة كلام لا معنى لها، ففي هذا الماضي لم تكن الامة بالمعنى الذي نقصده ونطلبه كمعرفة راهنة. ولا يجدي ان نفاخر بماض صنعت منه الفتوحات تشكيلا شبه سياسي ما لبث ان انفرط عقده (دون مؤامرات خارجية) على انه تشكيل قومي بالسليقة، فالماضي في تشكيل الامة الحديثة يشكل جزء من مركبها وليس روحها، فما يبقى من الماضي هو بحكم جودته وجماله، هو الذي يدخل في تركيب الأمة، لان روح الامة (بالمناسبة روح الامة مقاربة لغوية لا أكثر) ناتجة عن طاقة اصطفائية تعرف الضار من النافع والغث من السمين، ان استغلال عدم مقدرة الناس على قراءة التاريخ بدقة وموسوعية (وهذه ليست شغلتهم على اية حال)وانتاج شعارات فضفاضة تهييجية وقبلية ليس تنظيرا ولا تذكيرا بوجود امة، فالامة ليست تاريخا وانما مستقبلا ، يستلزم وجودها الاندماج في المصالح الاقتصادية الاجتماعية، وبناء الانسان على تربية حقوقية واضحة وتعاقدية، وليس تشريفها اصطناعيا لتصبح في مصاف المقدس الديني ، فالمقدس الحديث هو المتانة الاخلاقية والعصبية المجتمعية التي تتبدى كأنتاج وا نجاز وليست مجرد روابط مجانية نرثها من تاريخ لا يتصالح أثنين عليه ، او كبركات الهية ونحن قاعدون نطلق الشعارات ، فالامة فعل وليست مجرد وجود نظري ، وهذا ما مارسته الامم في عصر القوميات اذ ترافق مع الانتاج صناعة وغلالا وفكرا، ولم تمارس الحنق الايديولوجي في نفس وقت طلب الاعتراف بناء على معلومات لا يعرفها احد ناهيك عن مطلقي شعاراتها.

الامة مزيج حضاري سلالى لا يدعي الصفاء بأي شيء، وهي كيان موجود بالإرادة وبقوة الانتاج المتسق مع العصر، روحه الكفاية والأمان ، وغايته سعادة أهله مهما تنوعت مشاربهم او اصولهم او لغاتهم او اديانهم ، ثقافتهم ناتجة عن الاشتراك بالحياة والاشتراك في ملكية الوطن ومنتجاته وما يمكن ان يبقى من التراث بقوته الذاتية ، اي انها كيان حقوقي معاصر لا يمكن اشهاره او المطالبة به دون الاخذ بالمنظومة الحقوقية المعاصرة ، والا فنحن نتكلم عن خرافة افرزتها الكتب البائدة .