عندما نحاول الابتعاد قليلا عن الرابط الدقيق بين العمل النقابي والطبقة الوسطى؛ فإننا ننتقل بشكل سريع باتجاه جملة الأزمات التي يولدها الاحتكاك ما بين السياسة والمصالح المباشرة. فربما ليس مطلوبا من النقابات التعامل المباشر مع الاستراتيجيات العليا للدولة، وهي بحكم تعاملها اليومي مع المسائل الحياتية، تجد نفسها خارج إطار التخطيط الدقيق، وهذا الأمر يخلق دائما نوعا من التباعد في الرؤية ... لكنه في إطار المجتمعات التي ترسم مصالحها من جديد مصالحها، أو تحاول الانتقال من التاريخ إلى الحاضر فإن الأمور تختلط، فنفقد الفاصل ما بين العمل السياسي و ... النقابي.

عبر الاختلاط والتداخل فإن "الطبقة الوسطى" تفقد بالفعل صورتها المحددة، وربما يصعب تحديد مجال خاص لها، لأن المسألة تتراكب حيث يصعب التمييز الدقيق لسمات المنضوين تحت هذه الطبقة، لتصبح في مراحل لاحقة "نخبا" منتجة للأفكار العائمة أو الضائعة دون تيار لها. فهذا التداخل يجعل "الطبقة الوسطى" دون ابداع حقيقي لأنها قادرة على "التوصيف" و "التحليل" وعدم القدرة" على الانخراط في آليات إبداعية أو حتى إنتاجية.

وربما تبدو المسألة بشكل أوضح عندما تصبح هذه النخب الخزان الفكري للنقابات، فيصبح العمل النقابي "سياسي بامتيار" بدلا من أن يكون نقطة التماس ما بين الطبقة الوسطى ومصالحها المباشرة داخل المجتمع، أو مجال التفاعل رعاية المصالح داخل سياسات الدولة. فالنقابات تبدو وفق هذا الشكل أكثر حساسية من "العمل" الحزبي نفسه، لأنها تملك التيار، بينما فقدت الأحزاب تيارها الحقيقي. ولسنا بحاجة للبحث المطول عن أمثلة لأن النموذج المصري قريب جدا من الذاكرة.

فهل يمكن تحرير النقابات من السياسة؟

وهل بالإمكان أن تعيد النقابات إنتاج الطبقة الوسطى؟

تاريخ العمل النقابي في سورية على أقل تقدير لا يحمل أي حدود واضحة عن النشاط السياسي، فالنشطاء السياسيون منذ الاستقلال هم نفسهم نشطاء نقابيون، وإذا كان من المبرر ترافق العملين في المراحل الأولى لبلورة الخارطة السياسية، فإنه أصبح بعد أقل من عقد على الاستقلال ترابط مطلق، أنتج نخبا نقابية على "طراز" النخب الثقافية، بينما لم يتطور مفهوم "النقابات" بشكل واضح ولم يحتل مكانة داخل الساحة الاجتماعية كفعل اجتماعي وليس سياسي. فالنقابات بقيت إطارا سياسيا لم تستطع أن تحتل مكان "المؤسسات الاجتماعية" القديمة لتعيد رسم المصالح المباشرة للمواطنين.

عندما نرى النقابة والطبقة الوسطى ضمن مشهد واحد فإننا نستعيد وبسرعة التداخل حتى على مستوى "النخب" بين السياسة والنقابة ... وعندما نفكر بالطبقة الوسطى فإننا في نفس الوقت نحاول رسم تصنيف فني بالدرجة الأولى يعتمد بالفعل على نوعية المصالح الجديدة الناشئة داخل المجتمع ... وربما من خلال هذه المصالح ينشئ العمل النقابي ليس بعيدا عن السياسة، ولكنه لا يشاركها كل مفرداتها.