يقول وزير متابع لسير العلاقات اللبنانية – السورية وتطوراتها منذ الاستقلال الى اليوم ان مشكلة تردي هذه العلاقات من حين الى آخر وفي كل عهد تقريبا ليست في لبنان انما في سوريا لانها لا تؤمن بلبنان دولة سيدة مستقلة بل تعتبره دولة تابعة لها ويحتاج الى وصايتها الدائمة.

لذلك، فان سوريا لم تغير سلوكها حيال لبنان حتى يوم كان المسؤولون في البلدين، يرتبطون في ما بينهم بعلاقات شخصية طيبة فكيف عندما لا يكونون كذلك كما هي الحال اليوم؟

لقد انسحبت القوات السورية قسرا من لبنان مما ولّد مرارة لدى المسؤولين السوريين بعدما حاولوا جاهدين منع حصول الانسحاب او تأخيره قدر المستطاع، وتحملوا مغامرة التمديد للرئيس لحود وألفوا حكومة برئاسة عمر كرامي تضم اكثرية واضحة موالية لسوريا علَّ ذلك يبقي قواتها في لبنان، لكن كل هذا لم يحقق مبتغاهم فحصل الانسحاب تحت ضغط المجتمع الدولي وانتفاضة شريحة واسعة من الشعب اللبناني.

لكن النظام السوري لم يتحمل حصول الانسحاب من لبنان على النحو الذي حصل ولا رؤية لبنان يفلت من قبضته ويستعيد سيادته واستقلاله وقراره الحر، وهو ما جاهر به الرئيس الاسد نفسه بقوله "ان الحالة التي نشأت في لبنان بعد انسحاب القوات السورية هي حالة عابرة لن تدوم وان الاكثرية النيابية التي انبثقت من الانتخابات هي اكثرية وهمية وموقتة" وأخذ حلفاء سوريا في لبنان يرددون ذلك من بعده ويعملون بشتى الوسائل على تغيير هذه الاكثرية تارة بالدعوة الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة علَّ نتائجها تأتي بأكثرية جديدة موالية لسوريا تنتخب رئيسا للجمهورية مواليا لها ايضا، وطورا بالدعوة الى تغيير حكومة السنيورة وتأليف حكومة وحدة وطنية يكون لسوريا فيها اكثرية موالية لها يعود معها الوضع الى ما كان عليه قبل 14 آذار ويتعرقل تنفيذ القرار 1559.

وعندما عقد مؤتمر الحوار لم تكن سوريا تتوقع ان يتفق المتحاورون على عدد من القضايا المهمة بل كانت تتوقع لهم الفشل، فيكون القادة اللبنانيون المنقسمون على انفسهم هم السبب في عدم التوصل الى تحسين العلاقات مع سوريا وهذا ما دفع وزراء سوريين الى القول ان الخلاف ليس بين اللبنانيين والسوريين انما الخلاف هو بين اللبنانيين انفسهم. لكن نتائج مؤتمر الحوار خيبت آمال سوريا، فكان اتفاق بالاجماع على معالجة المسائل الحياتية والاجتماعية للفلسطينيين ومعالجة موضوع السلاح الفلسطيني والتزام الدولة اللبنانية حماية المخيمات من اي اعتداء ورفض التوطين عملا بما نصت عليه مقدمة الدستور وارساء علاقات لبنانية - سورية على قاعدة ثابتة وواضحة وفي اطار سيادة كل منهما واستقلاله وتصحيح ما شاب هذه العلاقات وتكريس قاعدة عدم تدخل اي من الدولتين في الشؤون الداخلية للدولة الاخرى واقامة علاقات ندية بين الدولتين مبنية على الثقة والاحترام المتبادلين تتجسد في اقرب وقت ممكن بانشاء علاقات ديبلوماسية وعلى مستوى السفارات ومتابعة انهاء ملف المفقودين والمعتقلين في البلدين بالسرعة الممكنة ودعم الحكومة اللبنانية في جميع اتصالاتها لتثبيت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وتحديدها وفق الاجراءات والاصول المعتمدة والمقبولة لدى الامم المتحدة. وتردد ان بعض حلفاء سوريا على طاولة الحوار، لاسيما "حزب الله" كان على اتصال مع مسؤولين سوريين لاطلاعهم على مجرى الحوار وصار اتفاق معهم على الموافقة على هذه الموضوعات كيلا تتهم سوريا بعرقلة ذلك، وكي لا يشذ "حزب الله" عن موقف الاجماع في الموافقة عليها لئلا يضعف دوره ويفقد بعض التأييد الشعبي، خصوصا ان تنفيذ القرارات التي اتخذت في مؤتمر الحوار يحتاج الى موافقة سوريا وسيكون لها موقف منها عندما تجري محادثات لبنانية – سورية في شأنها.

لذلك حرص الرئيس السنيورة عندما كلفه المتحاورون اجراء هذه المحادثات على ان يؤكدوا له موقفهم الثابت من هذه القرارات وعدم ابداء اي تحفظ او تفسير لها يضعف موقفه.

لكن سوريا تعاملت مع قرارات مؤتمر الحوار كما تعاملت مع وجودها العسكري في لبنان، فصار كلما طلبت الحكومة اللبنانية تطبيق اتفاق الطائف لجهة هذا الوجود ترد سوريا بوجوب ان تطلب السلطة اللبنانية بالاجماع ذلك، وعندما تطلب السلطة ذلك بالاجماع، ترد سوريا بوجوب موافقة غالبية الشعب اللبناني، وهكذا انقضى على وجود القوات السورية في لبنان ما يقارب الـ15 سنة بدون تطبيق ما نص عليه اتفاق الطائف لهذه الجهة الى ان صدر القرار 1559 وارغم سوريا على سحب قواتها من لبنان.

وها ان سوريا تكرر التصرف نفسه مع قرارات مؤتمر الحوار المتخذة بالاجماع، فتطلب للقبول باجراء محادثات في شأنها ان يحظى الرئيس السنيورة بموافقة الرئيس لحود تارة وطورا بموافقة مجلس الوزراء ثم يصدر عن مسؤولين سوريين تصريحات تدل على ان ليس في نيتهم المساعدة على تنفيذ هذه القرارات وذلك بالقول ان لا حاجة لترسيم حدود مزارع شبعا، وانه من السابق لأوانه اقامة تمثيل ديبلوماسي بين البلدين او القول ان بين لبنان وسوريا ازمة ثقة تحتاج الى معالجة من اجل خلق اجواء مؤاتية قبل اجراء المحادثات...

ويضيف الوزير نفسه ان على الدول العربية وتحديدا مصر والسعودية ان يكون لهما موقف من هذا التعاطي السوري مع لبنان، خصوصا بعدما استجاب الرئيس السنيورة رغبتهما فاخذ المبادرة لترطيب الاجواء مع سوريا وطلب موعدا لزيارتها متجاوزا اهانة الرئيس بشار الاسد له، كما استجاب النائب سعد الحريري رغبتهما فوافق على الفصل بين التحقيق في جريمة اغتيال والده والعلاقات مع سوريا، ومع ذلك فلم يتم تحديد موعد للسنيورة لزيارة دمشق بحجة ان جدول اعمال المحادثات يحتاج الى درس مع ان هذا الجدول لا يتضمن سوى البحث في القرارات التي صدرت بالاجماع عن مؤتمر الحوار، وهذا يدل على ان سوريا لا تريد تعزيز وضع حكومة السنيورة فيما هي تسعى لتغييرها وانها اذا كانت تريد البحث في تنفيذ هذه القرارات فانها تفعل ذلك مع حكومة جديدة او مع الرئيس لحود، او تبيع تنفيذها لجهات عربية ودولية معنية وتقبض الثمن رفع الضغوط عنها، وعدم فرض عقوبات عليها اذا ما اتهمت بعدم التعاون تعاونا مطلقا مع لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه.

والسؤال المطروح، في ما اذا استمرت سوريا في موقفها السلبي هو: اي موقف ستتخذ مصر والسعودية بعد استجابة السلطة اللبنانية رغبتهما من اجل تحسين العلاقات مع سوريا فلا تظل سوريا تشكو من تصرف هذه السلطة حيالها، وما هو موقف الرئيس لحود و"حزب الله" اذا كانا يؤيدان حقا القرارات التي اتخذها مؤتمر الحوار. لماذا لا يوظفان صداقتهما مع سوريا للمساعدة على تنفيذ هذه القرارات خدمة للبنان، الا اذا كانت موافقتهما عليها هي من قبيل رفع العتب ليس الا... وان ليس لهما التدخل في شؤون تخص سوريا؟