ما يزال خروج نائب الرئيس السابق عبدالحليم خدام وتصريحاته المستمرة بضرورة تغيير النظام وإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وتقديمه للمحاكمة بتهمة اغتيال الحريري، تثير الكثير من ردود الفعل وتدفع في المقابل الى تحالفات جديدة، يراد لها إنقاذ المجتمع السوري وعودته الى الحياة السياسية من جديد، فقد شبه خدام في حينها من قبل أعضاء مجلس الشعب بـ«أبو رغال» الذي قاد جيوش أبرهة الحبشي ليهدم الكعبة، ولكن الله حماها وهذا ما يفسر حضور هذا الشعار «سورية الله حاميها» كلافتة في معظم المدن السورية وعلى لسان المسؤولين كما جاء في خطاب الرئيس بشار الأسد، وكما رددها الوليد بن طلال عند افتتاح فندق الفور سيزون في دمشق منذ أيام. وشبه أيضا بـ«يهوذا الأسخربوطي» الذي دلّ أعداء المسيح عليه فصلبوه، وذهب البعض الى تشبيه خروجه على النظام بخروج حسين كامل على النظام العراقي ورغبته في الانتقام....الخ.

ما يلفت النظر هو التجاذب بين قوى المعارضة السورية من حول خدام، ففي الوقت الذي التقى فيه صدر الدين البيانوني المرشد العام للإخوان المسلمين في سورية في بروكسل، رفضت معارضة الداخل ممثلة بالبيان الذي أعلنه رياض الترك أمين عام حزب الشعب الديمقراطي، والذي كثيرا ما يوصف بـ«نيلسون منديلا» سوريا، قبول خدام في صفوف المعارضة أو انضمامه الى «إعلان دمشق» ما لم يمر بجميع طقوس الإعتراف، بأن يعترف بمسؤوليته عن معظم الأحداث الكبرى التي عاشتها سورية في العقود المنصرمة، وبالضبط منذ مجيء الرئيس الراحل حافظ الاسد الى سلطة الحكم في العام 1970وعبر ما بات يعرف بالحركة التصحيحية التي قادها ضد رفاقه الحزبيين بعد المؤتمر القُطري السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي.

يشدد خدام في أحاديثه، على أن كونه نائبا للرئيس حينذاك، لا يعني أنه كان مشاركا في الأحداث، فمنصبه يقضي ببعده عن العسكر والمخابرات كما يقول، وهي حجة واهية لا تقبل بها معارضة الداخل التي ترى في خدام صقرا من صقور حزب البعث، انقض على ربيع دمشق ولم يسمح لسنونوة واحدة بعبوره، بحجة الخوف على مستقبل البلد من ما سمّاها في حينها بـ«جزأرة البلد».

واذا كانت معارضة الداخل لم تشفع لخدام كثرة استدراكاته وميله الى اعتذار ضمني، إلا أنه وجد ترحابا ما بعده ترحاب عند المعارضة السورية في الخارج ممثلة في أهم فصيل لها، وأقصد جماعة الإخوان المسلمين السوريين .

فمن وجهة نظر الإخوان المسلمين «النهار 23 مارس 2006» أن واقع الحال السوري يقتضي تحالفا للمعارضة باتجاه الأمام، لأن واقع معارضة الداخل التي يسكنها واقع الخوف من بطش النظام، على ما فيه من بطولات، هو واقع رث، لم يتجاوز على حد تعبيرهم حدود تكرار الخطابات والمطالبات وظلّ يدور من حول نفسه، صحيح أن إعلان دمشق كان أهم انجازات معارضة الداخل، لكن هذا الإعلان سيبقى حبرا على ورق، ما لم يستتبع ويتجسد ببعد سياسي على أرض الواقع في سوريا، كذلك ففيما يخص جبهة المعارضة الكردية في سوريا فإن البيان يعيب عليها افتقارها الى جهة مركزية أو شبه مركزية تعبرعن عموم الأكراد أو غالبيتهم .من هنا أهمية التأكيد على الطابع السحري لـ«جبهة الخلاص الوطني» التي «أكسبت الساحة السورية المعارضة دورا إضافيا منخرطا في سياق جماعي» ويتمثل في جهد السيد عبدالحليم خدام الذي وصف البيان خطابه بأنه يتحدث بـ«ثقة وهدوء». يقول البيان إن دور جبهة الخلاص الوطني لا يتنافى ولا يتضارب مع إعلان دمشق، لكن الانقسامات بين صفوف المعارضة، معارضة الداخل ومعارضة الخارج، تقول إن جبهة الخلاص الوطني التي تتطلع الى دور تغييري حقيقي في سوريا، بتحالفها مع حركة المعارضة اللبنانية التي عجزت معارضة الداخل عن كسبها، تمهد الى تجاوز إعلان دمشق من جهة، والى تجاوز المعارضة الكردية في الداخل التي ترى فيها معارضة الداخل ظهيرا استراتيجيا، وقد يكون مبرر ذلك سعي الأكراد الى تجاوز كل الخطوط الحمر عند المعارضة بخطب ود أمريكا علنا من أجل تغيير النظام في سوريا كما حصل في اجتماع 13 مارس 2006 تحت قبة الكونجرس الأمريكي وحيث شاركت معظم أحزاب المعارضة الكردية في ذلك الاجتماع مطالبة علنا بالدعم الأمريكي لتغيير النظام.

إن معارضة الخارج إذ تبني آمالا عريضة على انضمام خدام الى صفوفها، الذي يحلو للبعض أن يشبهه بـ«تسونامي» سوريا الذي قد يرتد عليها بمزيد من الكوارث، تقوم بحرق الكثير من أوراقها حتى لو قدمت كل المبررات لتعميد خدام وخروجه مطهرا من أدران العقود المنصرمة، وهي بهذا تساهم وعبر نزعة براغماتية سياسية مكشوفة، في حرق الكثير من الجسور مع الداخل، فثمة رغبة في تجاوز إعلان دمشق في الوقت الذي تتمسك فيه معارضة الداخل، الحريق الذي من شأنه أن يطول جبهة الخلاص الوطني في مهدها بالكثير من الشظايا التي تحول دون تأسيس بعد سياسي على أرض الواقع السوري؟.