نجيب نصير

تسري جملة تقليد الغرب في الأدبيات والإعلاميات العربية كسريان النار في الهشيم، تجري محملة بأنواع الإدانة لكل ما ومن يقلد ما يمكن الإطلاق عليه ( وليس تسميته ) غربيا، ليضم هذا ( الغربيا ) كل ما نريد إدانته، متجاوزين حتى المقولة الخائبة ( نأخذ ما في الغرب ما يناسبنا ونترك الباقي )، وأصبحت كلمة تقليد الغرب مشابه إلى حد بعيد للكفر وللخيانة معا، وعلى الرغم من هذه الجملة /الاتهام تضيء ولو نفسيا على الأقل مدى الطوق للتماهي مع هذا الغرب، إلا أنها تنتج من ردود الأفعال الخرقاء ما يمكن تسميته ( جكارة بالطهارة...)

واليوم بين تقليد الغرب والخضوع له هناك استخدام الإرادة في غير محلها أو موضوعها، فالغربي هو البرنجي ( ذي النوعية الممتازة والمميزة ) والذي سوف يظل في مكانته حتى لو أنتجنا البديل عنه، ولكن مع اعتبار عدم مقدرتنا على الإنتاج أو ان المنتج البديل سوف تكون وسائله ومسبباته غربية برمتها، لا يبقى إلا العودة إلى تلميع الغربي بإخضاعه إلى الأصالة والخصوصيات كأن نحكم على الغربي بإنتاج الدشداشة والكوفية والعقال، أو نركب سياراته ونمنع النساء من قيادتها أو تقودها امرأة منقبة لا تخضع لشروط السلامة التي وجدت مع وجود السيارة ذاتها، لتتحول المسألة وو تلفيقيا إلى حرام وحلال، ليبدو الموضوع برمته محليا وشغل أيدينا.

اليوم لم يبق في ثقافة الاستهلاك ما هو غربي أو شرقي فمثلما انتقلنا إجبارا أو طوعا من مرحلة "الانالوغ" إلى مرحلة الديجيتال ( تسميات تقنيات البث الفضائي المنزلي ) خضوعا للسلعة التي نرى فيها الفائدة، كذلك نعيش الحياة كلها اعتمادا على ما هو غربي ( ولا لزوم هنا للتعداد ) قياسا على الوصيف التهمة، ولكن هذه الثقافة أصبحت عالمية والبعض يسميها عولمية إدانة لها ولم يعد توصيفها بالشرق أو بالغرب إلا جلد مازوخي للذات، فالمنتج الحداثي فرض نفسه وأي رفض له هو مبرر لرفض كل التجارب العلمية الاجتماعية الحقوقية، فالبرلمان والانتخابات الحرة والمواطنة الكاملة لم تعد موضات غربية يمارسها لابسو الجينز والألبسة الفاضحة والأحرار جنسيا، وإنما أصبحت كالسيارة والكومبيوتر الشخصي أدوات عيش طبيعية لا تستقيم الحياة في هذا الزمان دونها، حيث لا بديل تراثي لها مهما كان الشعار الذي يسوقها قويا وفعالا لأن صلاحية هذا الشعار مرتبطة تماما بالعلم والمعرفة، فإذا طلبنا العلم ولو في الصين فقد وقعنا في شرك تقليد الغرب، ليصبح السؤال أنريد العلم أم نريد الشعار؟؟؟؟ اعتقد ومما المس أننا ذاهبون..... وعن طريق العلم لاختيار الشعار الذي يضعنا في حضن الغرب الذي من المعيب تقليده، مع انه لم يعد موجودا بالنسبة للذين ليس لديهم عقدة من تقليده.