يتعارض تقويم الفريق الشيعي للجولة السادسة من مؤتمر الحوار الوطني في مجلس النواب في 28 نيسان، مع تقويم فريق 14 آذار، ولا يلتقي معه الا في مسألة وحيدة هي ان اطاحة الرئيس اميل لحود قد تكون اصبحت من الماضي - حتى الآن على الاقل - وان على الطرفين الجالسين الى الطاولة المستديرة ليس تنظيم المساكنة السياسية مع رئيس الجمهورية فحسب، وانما كذلك تعويم مجلس الوزراء واستعادته دوريه السياسي والدستوري. والمقصود بذلك، في رأي هذا الفريق، التصرف انطلاقاً من أن السلطة التنفيذية لا تقتصر على غالبية وزارية ترجّح كفتها، بل ثمة رئيس للجمهورية له وزراؤه، وخمسة وزراء شيعة لهم ايضاً موقعهم في معادلة إدارة مجلس الوزراء.

واستناداً الى ذلك، وضع مجلس الوزراء في جلستيه الاخيرتين برنامج اولويات وعمل يتخطى النزاع السياسي في الظاهر، وينصرف الى معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والفساد، والتمهيد الايجابي لانعقاد مؤتمر بيروت

هذا هو اذاً الامر الوحيد الذي اجتمعت عليه "قوى 14 آذار" والفريق الشيعي والرئيس ميشال عون، وخلاصته ان بقاء لحود في السلطة وتوجيه الاهتمام الى حوار لبناني - سوري اعادا بناء توازن سياسي جديد.

اما ما يختلف عليه فريقا الحوار الوطني، فيقيم في المسألتين الآتيتين:

البند العالق في مؤتمر الحوار، وهو سلاح المقاومة الذي تتضارب حياله وجهات النظر، وان يكن المتحاورون قد التقوا على ان مناقشتهم اياه في 28 نيسان تتركز على مصير هذا السلاح في مرحلة ما بعد تحرير مزارع شبعا، تسليماً منهم مذ أقر في الجولة الثالثة من الحوار بند لبنانية مزارع شبعا بشرعية سلاح "حزب الله" وبأن مقاومته اسرائيل مشروعة الى حين تحرير المزارع. اما عن المرحلة التالية فإن الخلاف يبدو اكثر تعقيداً، سواء ازاء تحديد مفهوم الاستراتيجيا الدفاعية التي كان قد اقترحها الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، او ازاء مرجعية الدفاع عن لبنان (يتولاها الجيش وحده ام هو والمقاومة بعد دمجها فيه، ام تتولاها الأخيرة).

وبمقدار ما يرى "حزب الله" ضرورة استمرار المقاومة وسلاحها في مرحلة ما بعد تحرير مزارع شبعا نظراً الى التحولات والتقلبات الخطيرة في المنطقة وانعكاساتها على لبنان الذي يظل مهدداً من اسرائيل، يعتقد فريق 14 آذار ان وجهة نظر كهذه تنطوي على مجازفة خطرة لكون اصرار الحزب على الاحتفاظ بسلاحه يعني تمسكه بأن يكون طرفاً في النزاع العربي - الاسرائيلي بعد تحرير مزارع شبعا، وتالياً ابقاء الحدود اللبنانية وحدها، دون سواها من الجبهات العربية، نازفة وربط سلاح المقاومة بمحور صراع آخر بعيد من مزارع شبعا هو المواجهة المفتوحة بين ايران وسوريا والاميركيين. لذلك يشعر مسؤولون بارزون في الفريق الشيعي بان الفريق الآخر في الحوار في صدد وضع عراقيل تحول دون اتخاذ قرار بالاجماع يكرّس ما كانت اوردته في 6 شباط الفائت "وثيقة مار مخايل" بين "حزب الله" والعماد عون عندما فتحت باباً لمناقشة الاستراتيجيا الدفاعية عن لبنان بعد تحرير المزارع. بينما يرغب فريق الغالبية في ربط السلاح بتحرير المزارع من جهة، ووضع محاوريه امام امتحان صدقية ما كانوا وافقوا على اقراره في الجولة الثالثة للحوار، من جهة اخرى.

مسؤولية سوريا عن تنفيذ قرارات الإجماع التي كان مؤتمر الحوار اتخذها والمتعلقة بنزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ولبنانية مزارع شبعا، واقامة علاقات ديبلوماسية على مستوى السفارة بين البلدين. وتبعاً لوجهة نظر الفريق الشيعي، فان دمشق غير مستعدة للاضطلاع بدورها في تنفيذ الاجزاء المتعلقة بها في تلك البنود الا في اطار صفقة متكاملة للعلاقات اللبنانية - السورية، يكون ترسيم الحدود شمالاً وبقاعاً وفي مزارع شبعا والتمثيل الديبلوماسي، جزءاً لا يتجزأ منها.

وهو الموقف الذي عاد به من دمشق الامين العام للمجلس الاعلى السوري- اللبناني نصري خوري الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ومفاده رفض القيادة السورية الموافقة على استقبال السنيورة من اجل ان يبحث معها في اجراءات جزئية كترسيم الحدود او العلاقات الديبلوماسية خارج النطاق الاوسع للعلاقات المتدهورة بين البلدين منذ اكثر من سنة، وهو اعادة بناء الثقة بينهما. وذهبت القيادة السورية الى ابعد من ذلك بان ربطت الخوض في الصفقة المتكاملة في الاطار القانوني والتنظيمي الحالي لعلاقات البلدين، وهو المجلس الاعلى السوري - اللبناني. ويشير ذلك صراحة الى ان الحوار الذي تؤيد اجراءه مع السنيورة يقتضي ان يترأسه رئيس الجمهورية بحيث تحيله شريكاً كاملاً فيه. وهذا ما يرفضه فريق الغالبية، اذ يطرح نفسه مفاوضاً وحيداً مع سوريا نظراً الى كونه يمسك بمفاصل الحكم والسلطة من جهة، ويريد مقاربة العلاقات بين البلدين من وجهة نظر مغايرة من جهة اخرى، الى رفضه بعث الروح في المجلس الاعلى السوري- اللبناني.

وبسبب ذلك لا موعد قريبا لزيارة السنيورة دمشق، وحتى في المدى القريب بعد عودته من واشنطن ونيويورك، في ظل تعارض حاد بين موقفي البلدين من اعادة بناء العلاقات بينهما. والواضح ان السنيورة، ترجمة لما يريده فريق الغالبية، يفضّل "تقسيط" حواره مع دمشق من اجل ان يضمن مكسباً بعد آخر.