الى أي حد، أقل أو أكثر، يساند «النظام العربي» الموقف الدولي السلبي إزاء حكومة «حماس»؟ هناك مظاهر متفاوتة في التعبير عن رفض ذلك الموقف، وتصورات متباينة لما يفترض أن يعمل لتجنب الكارثة المعلنة، وحساسيات متداخلة ومتشابكة لدى تقويم طبيعة المأزق. لكن أمكن ايضاً استشفاف مقاربات عفوية واستعداد للمساعدة طالما أن هذه الحكومة انبثقت من الاختيار الشعبي، وإذا كانت اسرائيل هي التي هندست اوركسترا معاقبة الشعب الفلسطيني فليس من شأن العرب أن ينضموا الى هذه المهمة الشيطانية. اذاً، ماذا سيفعلون طالما أنهم لا يستطيعون الاكتفاء بالتفرج؟

في قمة الخرطوم لم يبد العرب ادراكاً للتعقيدات الآتية، واعتبروا ان تجديد التزامهم مبادرة السلام رسالة واضحة الى المجتمع الدولي. لكن هذه الرسالة استخدمت من جانب الاتحاد الأوروبي، واللجنة الرباعية، والأمم المتحدة، فضلاً عن اسرائيل، للإمعان في التشدد، اذ فسر المفهوم العام الذي تبنته القمة بأنه يتماشى مع الشروط الاسرائيلية على «حماس». أي باختصار انه ليس مسموحاً لأحد أن يعيد القضية الفلسطينية الى ما قبل «اتفاقات اوسلو» التي يفترض أنها تضمنت اعترافاً متبادلاً بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل. كما أن «خريطة الطريق» بنيت أيضاً على أساس ان «الاعتراف» محسوم.

أما ماذا فعلت اسرائيل باتفاقات أوسلو وبخريطة الطريق، وكيف تصرفت بهذا الاعتراف، خصوصاً عندما نفذت الانسحاب من قطاع غزة من دون أي تنسيق مع السلطة الفلسطينية، وبالأخص حين تعلن أنها ستقوم بترسيم الحدود بشكل أحادي الجانب؟ فلا يبدو أن أحداً في الولايات المتحدة أو في الاتحاد الأوروبي، ولا حتى في الأمم المتحدة، يريد ان يسأل. بل ان النقاش ممنوع. وكأن ما تقوم به اسرائيل يدخل فوراً في ركن المقدسات الدولية، ولا تجوز فيه المساءلة، تماماً كما يجري التعامل مع سؤال طائر حول مسألة «الهولوكوست»

بالنسبة الى العرب، الاسئلة عن سلوك اسرائيل مطروحة قبل مجيء «حماس» الى الحكم، منذ حصار ياسر عرفات حتى تسميمه، ومنذ انتخاب محمود عباس والترحيب الأميركي به قبل أن تقرر اسرائيل حرقه سياسياً وعدم الاعتداد باعتداله وشفافية مواقفه، ليصبح ذلك الترحيب فتوراً راسخاً لا يتوانى فيه الأميركيون عن الذهاب الى حد المغامرة بالغاء السلطة، كما فعلوا مع البريطانيين في قضية سجن أريحا. والواقع أنه منذ وضعت اسرائيل خطة الفصل، مدعمة بالجدار، اعتمد الأميركيون والأوروبيون تلك الخطة على انها «الحل» المنشود، ولم يعودوا يعيرون أي اهتمام لأي موقف عربي، أو لأي «مبادرة سلام» عربية، ولا حتى لـ «خريطة الطريق» التي أكد الاسرائيليون مراراً وتكراراً أنهم يستهزئون بها، بل أكدوا انها ماتت، لكن «الحكمة» الأميركية والأوروبية شاءت التصرف وكأن هذه «الخريطة» لا تزال حية، أقله لتبليع العرب شيئاً من الكلام الفارغ الذي يعزون به أنفسهم.

اذاً، قبل مجيء «حماس» الى السلطة، كان الوضع يستوجب مراجعة كاملة لكل هذا الحراك الخادع الذي لا يعطيه خافيير سولانا أي صدقية، ولا تعطيه تصريحات الحياد باسم كوفي انان أي فاعلية، ثم أن التذكير الأميركي المتكرر بأن جورج بوش ملتزم «حل الدولتين» فقد معناه وبريقه، لأن الجميع يعلم أن اسرائيل عارضت دائماً إقامة دولة فلسطينية ولا تزال هذه استراتيجيتها. وفي أسوأ الأحوال أو أفضلها ستوافق على مناطق «حكم ذاتي» منفصلة شبيهة بالوضع الراهن الذي يعالج بالاجتماعات الفيديوية، سواء للحكومة الفلسطينية أو للمجلس التشريعي

تلك المراجعة المطلوبة باتت اليوم ملحة، لأن السكوت العربي أصبح يساوي القبول بالخديعة. اذا كان لـ «مبادرة السلام العربية» أي قيمة دولية فلا بد من تفعيلها، وإلا فالأفضل تطويرها أو سحبها. وفي كل الأحوال وقبل اهتراء الوضع الفلسطيني أكثر فأكثر، من شأن العرب أن يعرفوا حقيقة النيات الأميركية والأوروبية، كما ان من شأنهم أن يتدخلوا في مسألة «حماس» لتصويبها والحد من استغلالها تبريراً للتطرف الذي بلغ حد تشريع التجويع. وفي مراحل سابقة أحجم العرب عن التدخل متيحين للجميع أن يقدموا مساهماتهم، لكن أي «حل» اسرائيلي سيكون مجحفاً وقصير النظر وسترتد نتائجه على المحيط العربي