بهذا العنوان الطريف قدم الباحث الاعلامي البلجيكي ميشال كولون موضوعا طويلا حول عملية الخداع الاعلامي التي تنظمها وزارة الدفاع الاميركية في العراق. واذا كان مصطلح الحرب السيكولوجية في الاعلام، هو مصطلح خرج من رحم الحرب العالمية الاولى، ومن لجان ثلاث شكلتها القوات الاميركية في حينها، وطورتها اكثر فاكثر مع اندلاع الحرب العالمية الثانية والحاجة لمواجهة الدعاية النازية، فان الوكالات الثلاث المذكورة حلت بعد الحرب ليعاد تشكيلها في نهاية الاربعينات تحت اسماء جديدة، منها السي آي ايه.

وعندما اثيرت الانتقادات حول نقل اخبار عمليات المقاومة للجمهور العراقي من جهة والاميركي من جهة ثانية، قررت وزارة الدفاع تكليف فريق من قواتها مختص بالحرب السيكولوجية بتولي الحرب النفسية الاعلامية داخل العراق وخارجه. ووجدت ان افضل وسيلة لذلك هي شراء الصحف والاقلام العراقية، غير ان عدم ثقتها بقدرة هؤلاء على صياغة المطلوب منهم بشكل مرض، دفع هذا الفريق الى كتابة المواد ودفعها للعراقيين للنشر. غير ان هذه الوسيلة لم تلبث وان افتضحت، وعندها قررت البنتاغون اللجوء الى وسيلة غير مباشرة هي تكليف جهاز خدمات اعلامية اسمه: ’’لنكولن غروب’’ كي يكون الوسيط والستارة بين القوات الاميركية والصحافيين. ولم يلبث الجدل ان اندلع في الولايات المتحدة نفسها عندما تبين ان المؤسسة المذكورة قد تلقت في العالم الماضي وحده مبلغ مئة مليون دولار تحت شكل اتفاقيات مختلفة. لكن البنتاغون برأتها بالقول ان ما تفعله لا يدخل في باب الدعاية الاعلامية الكاذبة، كونها تنقل حقيقة ما يحدث على الارض. وهنا تطوع بعض المعارضين للحرب لتفنيد الاخبار التي بثها لنكولن غروب والبرهنة على كونها مفبركة وكاذبة كما بحث في بعض المقابلات والتصريحات التي نسبت الى شخصيات عراقية، ليدلل على ان هذه الشخصيات وهمية ولا وجود لها، وان الكثير مما نشر كتبه جنرالات لم يغادروا المنطقة الخضراء. ويتلخص مضمون هذه المواد الصحفية في تحسين صورة المحتل الاميركي، وفي امتداح قدرة قوات الامن العراقية المتعاونة معه، ومحاولة جعل المواطنين يثقون بها، كما تحاول التقليل من عدد الضحايا المدنيين، هذا عدا المثابرة على بث سموم الفرقة الطائفية والاثنية.

الفضيحة الكبرى حصلت عندما خرج احد موظفي لنكولن غروب، بعد عودته من العراق، ليتحدث الى الاعلام عن عمله مع العسكريين الاميركيين التابعين لجهاز عمليات تاسك ومن معهم من العملاء العراقيين المكلفين بالاتصال بالصحافييين العراقيين وتجنيدهم، محددا ان دوره كان التأكد من عدم بقاء اية دلائل من مواد تسجيلية، حيث كان العراقيون من صحافيين وعملاء يجهلون تماما من الذي يكتب المقالات. ويقدر هذا الموظف عددها بعشرة مقالات اسبوعيا. كانت لنكولن غروب تتلقى لقاء تحضيرها وتسويقها مبلغ ثمانين الف دولار اسبوعيا وتدفع للصحف مئتي دولار لقاء نشر كل منها، مما يعني انه لم يكن منطقيا القول بان رؤساء التحرير يجهلون مصدرها. اما لماذا ترك الامر يفتضح الان؟ فربما لان عمل لنكولن غروب قد اوقف بسبب تقرير لجون بيك رئيس غلوبال سكيوريتي اورغ، وهو فريق بحث وتحليل وتقييم للقضايا الدفاعية، عبر فيه عن عدم رضاه عن المقالات التي كتبت وعلى اسلوب العمل. وقال ان كل من يقرأها ولديه ابسط المعرفة باعلام دعاية الحرب يشعر بانها غير مقنعة بل ومخجلة.

ألهذا كشف النقاب عن العملية؟ وهل يمكن لمن انتقدوها الا يكونوا بصدد تحضير آلية بديلة؟ هل يمكن ان يكون نشاطهم مقتصرا على العراق؟ وهل سيعدمون بائعين ومشترين من اصحاب النفوس الرخيصة؟ ام انها لعنة العراق التي باتت اشبه بلعنة الفراعنة