بير رستم

إنها لعبة الزمن والسياسة، بل ربما تكون لعنة السياسة والزمن؛ "يوم فوق ويوم تحت"؛ فمنذ سنوات وعندما كان بعض الفلسطينيين يعتبرون "الطفل المدلل" عند صدام حسين؛ طاغية العراق المخلوع وعلى الرغم من أنه لم يكن ليعرف أن يدلل أولاده ناهيك عن بني جلدته، إلا لأغراض سياسية مرحلية، وكان الشعب العراقي بكل أعراقه وطوائفه يعانون الويلات من جوره وبطشه وخاصة الكورد في الشمال والشيعة في الجنوب، وقد رأينا كل من الانتفاضة الشعبانية للشيعة وكيف قمعت بالحديد والنار وأيضاً مآسي الكورد؛ من أنفال وحلبجة والمقابر الجماعية وحرق وتدمير ريف كوردستان و.. وأخيراً الهجرة المليونية باتجاه دول الجوار خوفاً من بطش النظام وما رافقها من المآسي والأحزان والتشرد في أسوأ مرحلة عرفها الكورد خلال التاريخ الحديث.

وقتها ومنذ أن رفع صدام حسين لواءي العروبة والإسلام وأصبح حامي حمى العرب والمسلمين والمدافع عن البوابة الشرقية وأيضاً قائد القادسية الجديدة وأم المعارك، وذلك في زمن الخراب الأخلاقي والإعلامي وعلى ذمة القوميين وبعض الإسلامويين ومنهم المدافع العتيد عن صدام وعراق صدام؛ الأستاذ فيصل قاسم، راجع مقاله "مبروك عليك العراق يا إيران" في نشرة كلنا شركاء العدد 26-3-2006 وأيضاً موقع سورية الغد لنفس اليوم.

في هذه الأوقات العصيبة والتي كانت تمر بها العراق أرضاً وشعباً، قيادة وقواعد وبكل مكوناته إلا ممن كان يدبك على أنغام ربابة صدام وبطانته الفاسدة، كان بعض الفلسطينيين يتاجرون بقضيتهم ومبادئ "الثورة" الفلسطينية؛ وذلك عندما باعوا أنفسهم ومبادئهم تلك "للشيطان" وقبلوا أن يقتاتوا على دماء الشعب العراقي عموماً والكورد بالتحديد، وسوف تبقى كلمات أحد القادة العرب مدية صدئة في الجرح الكوردي وذلك عندما قال: "وماذا تريدون منه؛ أي من صدام حسين أن يرشهم بماء الورد" رداً على سؤال: "ما موقفكم من ضرب مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي".

في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ الشعب الكوردي، والذي لم يكن يجد من يدافع عنه ولو بقلبه "وهو أضعف الإيمان" وليس باللسان أو اليد وكان يأمل من الأخوة الفلسطينيين الدعم والمساندة كونهما يحاربان في خندق واحد لنيل حقوقهم القومية والإنسانية المشروعة من جهة ومن جهة أخرى كون الكورد قدموا الكثير من القرابين والتضحيات في سبيل المسألة الفلسطينية، لا بل سطروا الكثير من البطولات دفاعاً عن الشعب والقضية الفلسطينية وخاصة في لبنان. نعم في خضم هذه الأجواء المرعبة والتي كان الكورد يعانون الويلات منه وفي زمن الصمت والتواطؤ العربي مع جرائم صدام، كنا نأمل كلمة حق يقال من طرف الأخوة الفلسطينيين. ولكن وبكل أسف رأينا بعض القيادات الفلسطينية تجعل من بغداد صدام مرجعية قومية لها وتبرر جرائم الطاغية بحق الشعوب العراقية إجمالاً وكانت الصدمة أكبر مما يحتمل.

ودارت الأيام ورأينا نهاية الطاغية وهو يجر من جحره مرعوباً ذليلاً صاغراً وفاتحاً فاه كأي شاة في سوق البازار، لا بل رأينا محاكمته ومجموعة من أعوانه وهم يحاولون لي عنق الحقيقة مع بعض المرتزقة وأصحاب الكوبونات النفطية من قومجيين وسلفيين وصدامويين وبعثيين في محاولة أخيرة بإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وهم لا يعلمون بأن الأمس لن يعود وأن حركة الزمن والتاريخ في ارتقاء تصاعدي سامي، ولا يمكن لبعض الظلاميون أن يوقفوا هذه الحركة التقدمية.

وها نحن اليوم نرى أيتام صدام حسين، من الفلسطينيين وغيرهم من العرب والذين كانوا يمارسون بحق الشعوب العراقية، بمختلف انتماءاتهم و تكويناتهم المذهبية والعرقية والسياسية، كل أصناف العنتريات والزعرنات السوقية، يفرون من غضب الشارع العراقي وهو يعرف أنه يحصد ما كان قد زرعه أيام الطاغية. ولكن ونحن نشاهد مأساة هؤلاء على شاشات بعض الأجهزة التلفزيونية، وهم معلقون على الحدود ويذكروننا بفيلم الحدود لدريد لحام، لكن من دون تهريج أو كوميديا بل بمأساة حقيقية، وخاصة إذا تسامينا فوق المفاهيم والمصالح السياسية ونظرنا إلى القضية من جانبها الإنساني، فإنه يفرض علينا جميعاً أن نجد حلاً لهذه القضية ونضع نهاية لمعاناة أولئك البشر.

ومن هذا المنطلق كان هذا المقال – النداء للأخوة الكورد في العراق وخاصة قيادة إقليم كوردستان أن يجدوا حلاً لقضية هؤلاء المهجرين والمرحلين. وإذا كان قد تم توطين العرب في كوردستان جبراً وعن طريق مفهومي التعريب والحزام الأمني وذلك في زمن الطاغية وبأعداد غفيرة بات نخاف على التوزيع الديموغرافي للمناطق الكوردستانية، فليكن هذه المرة بإرادتنا ودون عسف وإكراه وتغيير ديموغرافي فكل العدد وما تعلنه وسائل الإعلام هم بعض المئات وبالتالي فليكن لهم مساحة حب في قلبنا وعلى الجغرافية الكوردستانية مساحة قرية تأويهم من القتل والحقد الأعمى.