شلومو ساند – لوموند- 13/4/2006

إن نتائج الانتخابات في الأراضي الفلسطينية انتقدت في الغالبية العظمى من العواصم الغربية والتي , بالمقابل , استقبلت بالرضى المعطيات الجديدة للانتخابات الاسرائيلية . إن فكرة أن الاسرائيليين قد بدؤوا يتعبون من السنين الطويلة التي مارسوا فيها احتلال الأراضي الفلسطينية اعتبرت مؤشراً إيجابياً في هذه " الحرب المؤية " للعالم الحديث.

ولكن الخيار السياسي للشعب الفلسطيني وصف بالسيء من قبل المتحدثين الأمريكان , ذلك من منطلق أن الفائزين بالانتخابات لايعترفون بإسرائيل . هذه مشكلة , ولكن كيف نستغربها؟ فمنذ حوالي أربع عقود , حرصت كل الحكومات الاسرائيلية , من اليمين ومن اليسار , على تشجيع عملية بناء المستعمرات التي ابتلعت , سنة وراء سنة , قطع جديدة من الأراضي الفلسطينية .

بعد رفض إسرائيل الدائم والتاريخي الاعتراف ولو بجزء بسيط من مسؤوليتها في قضية اللاجئين الفلسطينيين عام 1948, وبعد أن مارست كل قوتها لتفتيت صلاحيات وهيبة وكرامة ما يسمى بالسلطة الفلسطينية , اختار ساكنو الأراضي المحتلة وبمعظمهم حلاً سياسياً أكثر صرامة ولكنه في نفس الوقت أقل استحقاقاً . وبالتأكيد تلعب حماس لعبة خطيرة وبنظر الجميع , ومن غير المحتمل أن يدعمها الشعب بشكل دائم بعد أن يتم تجريبها . ومع ذلك تخاطر بمواجهة إسرائيل والغرب . ولم تنفِ تماماً , في نفس الوقت, فكرة الاعتراف الجزئي وذلك بشروط محددة.

لم تعترف دولة إسرائيل أبداً بدولة فلسطينيةً بحدود 1967, ولااعترفت في حياتها بالقدس عاصمة لهذه الدولة ؛ لماذا بالمقابل ُيعترَف بإسرائيل ؟ في سنة 1988, انتهت الحركة الوطنية الفلسطينية بمعظمها إلى تبني مبدأ تقسيم فلسطين . ولكن إسرائيل لم تقرر حتى اليوم مبدأ الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني , دون أن ترى نفسها مهددة من العالم الغربي بالمقاطعة . مورست بعض الضغوط المتفرقة على اسرائيل ولكن دون تهديد جدي .

لماذا لا يتبنى الأمريكان موقفاً مماثلاً من حكومة حماس ؟ والجواب على هذا السؤال في العلاقات التاريخية غير المتوازنة تجاه العرب والاسرائيليين . فلم يحتج الأمر لأكثر من أسبوعين لكي تسحب سوريا قواتها من لبنان , بموجب قرار الأمم المتحدة , في الوقت الذي منذ 1967, تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو ضد أي قرار يطلب من إسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة . وبمواجهة الرفض , ومنذ ثسعة وثلاثين سنة , يسكت العالم الغربي عن الحقوق السياسية والانسانية لشعب بأكمله . ولم يخرج العالم عن صمته إلا للاعتراض على اختيار الفلسطينيين الطبيعي لحماس !

والعالم بالمقابل لايفتأ يكيل المديح لإيهود أولمرت , مثلما انتهى به الأمر بإطراء آرييل شارون : كلا الاثنين يأخذان هيئة بطولية دوغولية . ولكن أحدهما لم يواجه حل المفاوضات وإنجاز " سلام الشجعان ". بل على العكس : إسرائيل تبني جدارها العازل , ليس على أراضيها بل على أراضي الفلسطينيين ؛ إسرائيل توظف كل ما لديها من فنون لمدّ وتكبير الجزء الشرقي من القدس , بما فيه أماكنها المقدسة ؛ إسرائيل تطرد الجماعات السكانية الفلسطينية من وادي الأردن لتحكم الحلقة حول الفلسطينيين و تكثف وجودها في المنطقة الضيقة بين الأراراضي المحتلة في الشمال والجنوب من القدس كي تمنع أي استمرارية في الأراضي للدولة الفلسطينية المستقبلية . وكل ذلك لا يمنع إسرائيل من أن ترى نفسها موضع ترحيب ومديح . فإذا كانت سياسة فرض الأفعال بالقوة تؤمن تسعة وثلاثين عاماً إضافية من الهدوء النسبي , مع مستوى محدود من الإرهاب المحلّي , فلماذا نتبنّى مبادئ العدالة والمساواة في الحقوق ؟

ولكن الانتخابات الاسرائيلية لم تعكس فقط انتصار الشعور بالتعب من الاحتلال والرعب القاتل الذي ولدّه . " الدولة اليهودية والديموقراطية" , التي, حسب تعريفها الخاص , ليست جمهورية كل مواطنيها , ولكن دولة لليهود حول العالم , انتابها خوف رئيسي : إنه النمو الديموغرافي وتباينه بين العرب والاسرائيليين في مجموع الأراضي التي امتلكتها. هذا الهم هو الذي قاد بالأمس الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة ؛ وهو اليوم يشرح سبب نجاح حزب كاديما وشعبية مشروعه في " إعادة التجميع ".

اليمين " المتعلق بالأراضي " , والذي كان يحلم ب" إسرائيل الكبرى ", تراجع اليوم لصالح يمين " إثني" تجري الرياح بمشيئته : حزب بيتنا إسرائيل الذي أسسه أفيدغور ليبرمان , والذي يشكل معظمه اليهود المهاجرون من روسيا , يريد إخراج المناطق المسكونة بالعرب خارج حدود إسرائيل لتحقيق دولة يهودية" متجانسة " . هذا الحزب الذي يسعة إلى تطهير إثني بكل انفتاح , يتمتع للأسف بشرعية كاملة داخل الثقافة السياسية الإسرائيلية . ورئيس الوزارة المستقبلي , إيهود أولمرت , دعاه للانضمام إلى حكومته , حسب المبدأ المتبع وهو أن الأحزاب اليهودية والصهيونية فقط تستطيع المشاركة في ائتلافه . ومن هذا الواقع , يؤكد ما يعرفه الجميع : إن الدولة اليهودية ديموقراطية ليهودها فقط ويهودية لعربها .

بما أنني إسرائيلي , وابن ليهود شهدوا في القرن العشرين إنكار حقوق المواطنة بسبب عرقهم , كيف لا تروعني فكرة دولة يهودية "مطهرّة " ! هناك ضرورة ملحّة لإنهاء الاحتلال وما يستتبعه من أفعال قتل , ولكن أيضاً يجب تطعيم دولة إسرائيل ضد فيروس التعصب الذي يهدد بفسادها !

مترجم عن العبرية
شلومو ساند أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل –أبيب.