اعتمد العرب في الأزمة النووية، الإيرانية- الأميركية- الإسرائيلية، موقفاً واضحاً، إذ دعوا باستمرار إلى جعل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل. لا "الحليف" الأميركي، ولا الجار الإيراني، ولا العدو الإسرائيلي، توقفوا لحظة للنظر في هذا الخيار. ولا العرب أنفسهم، بادروا إلى التحرك لتحقيق ما يدعون إليه، والذي يبدو عملياً خيارهم الوحيد.

ويستدل من المواقف الراهنة أن العرب لا يشهرون سوى الخوف والقلق والحذر، فهم لا يريدون مواجهة جديدة في المنطقة، ولا يملكون منعها، كما لا يستطيعون التوسط لتسهيل الحلول الدبلوماسية والسلمية. لكن التموضع الحالي للأطراف يفيد بأن العرب لن يتصرفوا في أي مواجهة محتملة بشكل مختلف عما فعلوه لدى غزو العراق واحتلاله. أين الأوراق العربية، أين الأدوار العربية؟ الأكيد أنها تآكلت وتبددت وتلاشت، لا فرق بين نزاع ستتأثر به أراضيهم وبين نزاع يدور في أقاصي الأرض.

لعل أكبر دليل إلى الغياب العربي ذلك "الحوار" الأميركي- الإيراني المرتقب في بغداد، إذ أنه إذا عنى شيئاً فهو يعني أن المحاولة العربية لعقد مصالحة بين العراقيين ليست سوى مساهمة في الديكور، من دون الدخول في تفاصيله. أما الدور الإيراني في العراق فكان ولا يزال استثماراً في العمق، وبديهيٌ أن الاتصال الأميركي، ولو اضطرارياً، هو أحد أهداف هذا الدور. ولكي ينجح الاتصال والحوار لابد للأميركي من تغيير نهجه، هل هو مستعد لذلك، وهل تخلى عن الأفكار المسبقة والقطيعة العلنية، وهل بات جاهزاً للاعتراف بالنظام الإيراني؟ في أي حال إذا لم يكن للإيراني ما يمكن أن يربحه من هذا الحوار فإنه لن يقدم شيئاً في المقابل.

من الواضح أن طهران مهتمة بهذا الحوار، لكن ليس من أجل الحديث فقط عن العراق، أما واشنطن فإما أنها تستخدم الذريعة العراقية كمخرج، وإما أنها مصممة فعلاً عليها من دون سواها، وإذا ترجَّح الخيار الثاني فإما أنها مالت إليه في إطار المناورة وإما أنها تتوهم أن الطرف الآخر سيكتفي بـ"اتفاق" محدود يتعلق بالعراق. لكن الإدارة الأميركية باتت مدركة أن الملفات مترابطة، من النووي إلى الإقليمي (أمن الخليج، سوريا، "حزب الله" في لبنان، بقايا الحرب على أفغانستان). في كل ذلك، إيران حاضرة، لديها دور ورؤية. وبالتالي فإن المطروح على الأميركيين هو أن يتعاملوا مع إيران على أساس اتفاق متشعب وشامل، ولا أحد يتصور أنهم يقبلون ذلك في المبدأ، لأنه يفترض واحداً من أمرين: إما اعتماد إيران كـ"حليف" وهو من المستحيلات، وإما الاعتراف بالأمر الواقع على حساب الدور الأميركي نفسه في المنطقة.

يعرف المعنيون بالأمن والدبلوماسية أن الخيار العسكري غير مستبعد، أي أن الظاهر الآن مما يسمى "الحرب النفسية" لم يستطع أن يخفي استعدادات حقيقية، فالاستراتيجية الأميركية أمام امتحان، واستراتيجية حلف شمال الأطلسي تريد أن تبرهن شيئاً، وحتى الاتصالات العربية المخفوضة الصوت تسعى إلى إفهام الحلفاء والأصدقاء أن العيش إلى جانب إيران النووية لن يكون سهلاً. وما دام الهدف الثابت للأميركيين والأوروبيين هو قطع الطريق على ظهور "القنبلة الإيرانية"، فإنه يعكس بالضرورة خيارات بعضها عسكري. وحتى بريطانيا التي لعبت باستمرار لعبة الرافض لأي عمل عسكري، بسبب تداعيات مشاركتها في الحرب على العراق، لم تستطع التغيب عن المناورات بمعزل عما إذا كان هناك لجوء للقوة أم لا.

لاشك أن الصعوبة الرئيسية التي يواجهها العرب تتمثل في افتراض "الخطر النووي" والمساهمة ولو بالصمت في حدّه، وكذلك في الخطر الإسرائيلي الحقيقي إلى حد الاعتراف ولو بالصمت أيضاً بوجوده. وبالنسبة إلى العرب لا شيء يضاهي سياسة التخفيف من الأضرار والخسائر، فالحل الدبلوماسي بين أميركا وإيران سيبقي الخطر قائماً، والضربات العسكرية ستفتح بؤرة جديدة تسمم المنطقة، أما استمرار "الحليف" الأميركي في تغطية الترسانة النووية الإسرائيلية وحمايتها فلا يعني سوى الإصرار على إدامة المنطقة تحت رحمة إسرائيل.