ما الذي أورثه "الخطاب الحزبي" عبر أكثر من نصف قرن تعاملت فيه مختلف التيارات مع الشأن العام مع "القيم"؟! هذا السؤال يتصاعد بشكل قوي من خلال مواقع "الإنترنيت" التي احترفت تصعيد "الأزمات" الحزبية بالدرجة الأولى، محاولة رسم مشهد يتسم داخل ثقافة المعلومات بـ"الحرية" ... أو باكتساب الجرأة على استخدام الأسماء المستعارة و "الليبرالية" لرسم ملامح الإنسان الجديد!!! ألم تكن معايير "الإنسان القديم" هو بناء عقله على أساس "القيم" ... حتى ولو اختلفت قيم الأمس عن اليوم ... هل خاضت العلمانية والحداثة حروبها بشكل مختلف عن التعصب والأصولية .... وأخيرا هل تعتمد "النهضة" أسلوبا مغايرا لـ"الصحوة" المنتشرة في العالم "الإسلامي"؟!!

ربما تكون مسألة القيم حقيقة وضرورة لأي فعل جدي، لكنها أصبحت شأنا متحررا من القياس المنطقي أو العلمي ونسبيا في إطار ما يراه الأفراد، أو حتى المؤسسات التي تضيع القيم كشأن معياري لا يمكن قياسه بشكل علمي ... فيظهر "التكفير" ولو على صيغ العلمانية أو النهضوية، أو حتى على شكل الطعن والذم، وبتجاهل كامل بأن القيم لا يمكن أن تصبح مقياسا لذاتها فقط دون ضابط عملي، ودون آليات لترسيخها.

عندما نراهن على القيم، ونعيد رسم أعمالنا عليها فإننا نصنع الأزمة الأساسية التي استدعت وجود "نهضة" و "بعث قومي" على حد تعبير الخطاب الحزبي .... وعندما تصبح هذه القيم "مطلقات" فإن التنظير يتجاوز الفكر ليصبح مجالا للأشخاص فقط وتصبح صفحات الإنترنيت مليئة بـ"علم" قديم أُطلق عليه "علم الرجال" أو "الجرح والتعديل" ... ولكنه اليوم على السياق الافتراضي لأنه يعتبر أن الأشخاص ... والأشخاص فقط مسؤولون عن الواقع الذي نعيش فيه.

عندما يمضي أكثر من 75 عاما على ظهور فكرة أو حزب أو مبدأ فربما علينا مراجعة ما يحدث على قاعدة "البنية الفكرية" التي أنتجت "الرجال" أو الأشخاص الذين انحرفوا بقيمهم طوال 75 عاما دون استثناء فـ...فشلت الفكرة في تحقيق ذاتها أو تطبيق نفسها ... فما هو الفرق بين هذا التفكير والتفكير الماضوي؟!!!

أزمات الأحزاب، وليس الحزب القومي حصرا، هي في القدرة على استنساخ التجارب الماضية، ثم تحاول اثبات أنها أحزاب حداثة ... وأحزاب إنسان جديد ونهضة ... وهي أيضا تفشل في قراءة التاريخ لأنها تملك الخطوط الحمر في المراجعات النقدية لأنها تصطدم بالرموز سواء كانوا "زعيما" أو قائدا تاريخيا أو حتى فكرة يجب قراءتها وليس إلغاءها ....

أليس من الأفضل أن تصبح صفحات الإنترنيت للمرجعات النقدية بدلا من أن تكون مراجعات لأدبيات صفراء ....!