المؤسسات الفندقية الكبرى لها مطبخ مركزي كبير، له كادر وظيفي متخصص، وكذا هو الأمر بالنسبة للأسر المحترمة: ثمة مطبخ تقوده سيدة ذواقه لها ’’نفس’’ طيب على الطعام، وكلما كان المطبخ نظيفا ومرتبا كان الطعام أشهى وألذ! بالتوازي وفي الدول الحديثة، ثمة مطابخ سياسية أو خلايا تفكير ’’تطبخ’’ القرارات الكبرى جيدا قبل أن تخرج على الناس، وفي الأثناء يجري تصميم حملة لترويج القرارات المطبوخة، لتجد سوقا رائجا لها، فـ ’’يشتريها’’ الناس بمحبة وقبول!

في المفاصل الكبرى في حياة الشعوب والأمم، ثمة قرارات كبرى تحتاج لطبخ جيد، طهي إلى حد النضج، كي لا يخرج ’’الطعام’’ نيئا سيئ الهضم، وغير قابل للاستهلاك! منذ وقت ليس بالقليل، شاع أننا نفتقد لمطبخ وطني، أو غرفة للعصف الذهني، بعض هذه الإشاعات تبناها أشخاص لأنهم لم يكونوا في المطبخ فحسب، باعتبار أن المطبخ بدونهم لا يساوي شيئا. آخرون كانوا مخلصين في رأيهم الذي بنوه على أسس معينة: لم يعودوا ’’يتذوقون’’ الطبخ الجديد، تغيرت التوابل وطريقة الطهي، وبالتالي تغير الطعم، فهيئ لهم أن المطبخ أصيب بالخلل، والحقيقة أن ’’الشيف’’ له رؤية أخرى وحسابات جديدة في ’’خلطة’’ الطبخة، إلى حد أن من اعتاد على طعم ما، اعتقد أن هناك خللا ما في المطبخ، وتطرف إلى حد القول انه لم يعد لدينا مطبخ!

الصحيح أن الدولة لا يمكن أن تستمر بلا مطبخ، وهو لم يغلق قط، لكن ما تغير هو طبيعة الخلطات، و’’الخرمنجي’’ أو ’’الخريم’’ الذي يجيز تقديم الطبائخ في الصحون! في الولائم الكبرى، كما في القرارات الكبرى، هناك حاجة لاستنفار أمهر الطباخين، حتى ولو كانوا على خلاف واجتهادات متناقضة. ثمة متسع لحوار حول النكهات والبهارات، وصولا لطبق وطني سهل الهضم ولذيذ الطعم.

لا بأس هنا من جلسات حوارية خلف الكواليس بدون إعلام ولا تصريحات ولا كاميرات! الحرب الأهلية غير المعلنة في العراق، الاحتباس السياسي في فلسطين، مياه الخليج الهادئة المهددة بالاشتعال بهجوم مفاجئ على إيران، وما قد يتلو ذلك من حرائق كبرى في أسعار البترول وعلى الأرض، أزماتنا الداخلية في أسعار النفط والتنمية والديون وخلافه، كل هذا يحتاج لمطبخ ’’موسع’’، خلايا تفكير حقيقية لا تستثني صاحب رأي أو اجتهاد، معارضا كان أم مواليا، لوضع سيناريوهات مستقبلية، مشاريع ’’أطباق’’ تقدم حين تشتد الأزمات، فلا نتناول وقت الجوع الشديد صحن سلطة مشكلة من كل قطر أغنية، او طبق حساء أعد على عجل، قد تستقر في قاعه حبات من الزوان أو الرمل، لأن العدس لم تجر تنقيته من الشوائب!