ليس هناك ضرورة لمقدمات طويلة حتى نعرف أن "مرآة سورية" التي احتجبت بالأمس هي "حديث" لا يمكنه إلا أن يحمل لونا باهتا لما عرفه السوريون مؤخرا حول "الصحافة الإلكترونية". فخروج موقع من خارطة "المساحة الافتراضية" السورية لن يشكل هاجسا عاما، لكنه يعبر عن أزمة في الحركة العامة داخل المجتمع السوري عموما. فعلى العكس من الحركة الطبيعية لمسار الإعلام في العالم فإن "الصحافة الإلكترونية جاءت بشكل يقفز على اعتبار "تراكم الخبرة" و "المراحل الإعلامية" لتظهر الصحافة الإلكترونية قبل أن يظهر التنوع المطلوب أو التطور الصحافي في سورية، دون إهمال المراحل السابقة للصحافة السورية خلال الخمسينيات. لكن تقدم "الصحافة الإلكترونية" لم يشكل التفافا على "قانون الطباعة"، لأن الغرض من ظهورها لم يكن جزءا منه مسألة هذا القانون.

الصحافة الإلكترونية السورية أتت على أمل التغلب على عدم وجود ثقافة صحافية تفاعلية، وربما استطاعت المواقع السورية الإعلامية تحقيق هذا الأمر، ومرآة سورية نموذجا هاما لهذا الأمر. لكن "الصحافة الإلكترونية" عادت لتواجه غياب الثقافة الإعلامية من جديد، على الأخص أننا نتعامل مع تقلب العالم الافتراضي، وسرعة التحول من موقع لآخر، وربما تبدل الاهتمامات بالتعامل مع الإنترنيت.

ربما ما يغيب اليوم ليس "مرآة سورية" بل أيضا عدم وجود حوار حقيقي بين المتعاملين في هذا الشأن حول الموقع الحقيقي للصحافة الإلكترونية داخل سورية. فإذا كان هذا الأمر جديدا بالنسبة للسوريون عموما، لكنه أيضا تجاوز عتبة البداية وقدم طموحا يفوق الصور القديمة للصحافة، فهو يمتلك الجرأة ولكنه بحاجة لطاقة بنائية تستطيع سد فجوة غياب الثقافة الإعلامية عموما. فعندما نتحدث عن صحافة إلكترونية فإننا، وفي سورية تحديدا، نتطرق لظهور متشابك مع كل القفزات الثقافية التي عاشها المجتمع السوري.

تغيب "مرآة سورية" وتختفي معها فرصة أيضا للتفاعل مع مساحة من الآراء وطيف من الأفكار. ولكن الأهم أننا لا نودع صحيفة بالمعنى التقليدي، بل أيضا تجربة كان من الممكن أن تقدم نضجا خاصا، ولا نستطيع فقط التعبير عن الأسى، لأن المسألة تعنينا كمهتمين بالصحافة الإلكترونية وكباحثين عن آليات ثقافية جديدة. وربما علينا أن لا نترك الزمن يسير دون أن نعيد الاعتبار لما يقوم به السوريون من تجربة داخل "العالم الافتراضي" والتعامل بجدية مع إيجاد حوار لتجربة رغم عمرها القصير شكل بوادر هامة على صعيد الشأن العام السوري.