لا أحد يستطيع توقع ماذا يمكن أن يحدث بعد المقاطعة الدولية لحكومة حماس، فهذه المقاطعة لا تمتلك شرعية بالمعنى الاعتيادي للكلمة، لأن الحكومة جاءت كنتيجة "ديمقراطية" لكن هذا الخيار بمعنى أو آخر "إرهابي" وفق التعريف الخاص لهذا المصطلح، لذلك فإن المقاطعة الحالية هي "مقاطعة شعب" وهي في نفس الوقت إعادة لتعريف "الخيار الديمقراطي" الذي خرج عن السياق المعروف لدى الثقافات الأخرى ... فهي ليست معنية باحترامه لأنه "شاذ" بنتائجه!!!

وهذه الصورة القاتمة في عمقها تعبر عن "الآلية" الديمقراطية المأزومة، فالمسألة بالنسبة لنا لا تتعلق بوجهة النظر الأوروبية أو الأمريكية لنتائج هذه الانتخابات، بل بطبيعة هذا الخيار المتكرر من مصر باتجاه العراق، وربما نحو "الجزيرة العربية". فإذا كان انتخاب حماس شأن لا يمكن التشكيك بصدقيته أو نزاهته، لكنه بالفعل كان "الخيار الوحيد" الممكن في ظل البيئة التي لم تعد قادرة على إنتاج فعالية جديدة باستنثاء إعادة إنتاج التراث على سياق معاصر. وهذا الأمر لا يرتبط فقط بتصرفات حركة فتح أو السلطة في فلسطين، أو حتى الأنظمة العربية في مناطق أخرى، بل هو أيضا نتيجة لـ"ثنائية" الخيارات المطروحة اليوم داخل الثقافة المتجهة نحونا. فالمسألة في جانب منها متعلقة بالفساد، وهي مرتبطة بعلاقة أخرى مع "أزمة" السلطة الفلسطينية التي تشكل نموذجا متكررا شهده العالم العربي منذ منتصف القرن الماضي، فلم يكن متاحا أي تطور طبيعي خارج "الصراع" ... ولم يكن متاحا أن تتشكل السلطة على مساحة من تجدد الثقافة بعد الاستقلال، فالسلطة كانت مأزومة بطبعها، لأنها حتى ولو كانت نتاج عملية ديمقراطية فإن قضيتها، كما تبدو، متشابكة مساحة الأزمات المفروضات عليها والتي أنتجتها أساسا.

قضية حماس ليست غريبة لكنها "سافرة" في حقيقتها، وهي أيضا لا تتعلق بالهوية الدينية لحماس، إنما بنوعية الخيارات المحدودة التي يكتبها الظرف الدولي أحيانا، وطبيعة الثقافة السائدة أحيانا أخرى. لكن هناك علاقة تبادلية بين الطرفين لا يمكن النفاذ منها بشكل عادي. فمحاصرة الخيارات الاجتماعية شأن لا يمكننا كسره بحالة عادية، واعتبار أن مسألة السلطة في العالم العربي هو امر محسوم ومحكوم بالفساد فقط لا يمكن فهمه بشكل مطلق، وأنه مرتبط فقط بفساد أشخاص. فهذه المساحة من الفساد التي تذكرنا بها الدراسات الدائمة ربما يتشابك مع الشكل "المأزوم" الذي ظهرت به السلطة بعد الاحتلالات ثم تم إغراقها بصراعات "مصيرية" وبنزاعات داخلية ليس أقلها مسألة الهوية داخل كل بلد. والقضية بكاملها ليست تبريرا للأنظمة لأننا نملك اليوم سلطة جديدة خارجة عن أي شكل من الفساد لكنها أيضا ظهرت نتيجة "أزمة" ويتم زجها بـ"أزمة" .... فكيف يمكن أن تسير حماس؟! إنه سؤال يعيدنا إلى تاريخ السلطة السياسية في الشرق الأوسط.