دمشق أقدم مدينة مأهولة في العالم, دمشق التاريخ, دمشق العرب, وأرام ذات العماد وحضارة الروم وحصن الشام وباب الكعبة وفسطاط المسلمين والعذراء وقاعدة وادي سورية والفيحاء والغناء،وملتقى المسيحيين والإسلام, بها يبدأ وينتهي التكوين. دمشق التي تخبئ في ثناياها نسيجاً عمرانياً لامثيل له في العالم من أوابد تاريخية ومعالم أثرية كثيرة اشتهرت بها, أزقتها وحاراتها العريقة وأسواقها الشهيرة. وبيوتاتها التي تتميز بروح حميمية، وقصورها الجميلة.

دمشق التي مازالت تشهد انتصارات شعبنا على المستعمرين, وتؤرخ لبطولات شعب أبي يعشق الحرية والكرامة. دمشق هذه مازالت تحفظ لنا تاريخنا الممتد لستة آلاف سنة مضت، ترويه للأجيال المتعاقبة, تحمل بين ثناياها ذاكرة الوطن, دمشق التي خرّجت رجالات سوريه وأبطال الاستقلال. دمشق هذه التي قامت منظمة الأمم المتحدة للعلوم الثقافة "الأونسكو" بإدراجها على لائحة التراث الثقافي العالمي الإنساني كأقدم مدينة في التاريخ مازالت مأهولة بالبشر والآثار العريقة..

دمشق هذه بكل معانيها وصفاتها وإرثها الحضاري الذي لم ينقطع، تتعرض اليوم لابشع عملية تخريب لنسيجها العمراني والاجتماعي والتاريخي، من خلال استمرار الترخيص العشوائي لإقامة المطاعم والملاهي التي جاوز عددها التسعين،والبعيد عن أي تخطيط سليم، مما قد يهدد بطمس معالم الأحياء القديمة ويفقدها خصوصيتها التاريخية والحضارية والثقافية، كما يهدد أيضاً بخطر سقوط بيوتها القديمة من جراء الضغط الهائل الذي أصبحت تشكله تلك المطاعم والملاهي على شبكة الصرف الصحي التي أصبح وضعها سيئاً بفعل ما ترميه تلك المطاعم والملاهي من فضلات الخضار والفواكه واللحوم والزيوت وغيرها، في شبكة الصرف الصحي التي كان وضعها ممتازاً قبل انتشار تلك المطاعم والملاهي في أحياء دمشق القديمة. وليس هذا فحسب فقد أدى ذلك أيضاً إلى هجرة الكثير من سكان دمشق القديمة نتيجة الضوضاء والإزعاجات الصادرة عن رواد بعض تلك المطاعم والملاهي المستمرة حتى وقت متأخر من الليل، والتي اقتحمت أحياء دمشق وحاراتها، عنوة وبغير رضا وموافقة سكانها الذين اعتبروا ذلك انتهاكاً لعذرية مدينتهم وطمساً لهويتهم الثقافية وتراثهم وذاكرتهم الممتدة عبر التاريخ. إن حماية دمشق القديمة من أيدي العابثين بتراثها وتاريخها الحضاري العريق واللاهثين وراء تكديث الثروات، أصبحت مهمة وطنية بامتياز، ولايتم ذلك من خلال الاستمرار بإقامة تلك المطاعم والملاهي والفنادق، بل من خلال التعامل برأفة مع بيوتها، وإعادة ترميم وبناء البيوت المعرضة للهدم اعتماداً على نفس المواد الخام الطبيعية التي بنيت منها أساساً،بعيداً عن عمليات الترقيع العشوائية، وتسهيل حياة الناس في أحيائها العريقة عبر الاهتمام بشبكة الصرف الصحي وتوفير كافة الخدمات الضرورية والحديثة.

إن دمشق القديمة بحاراتها وشوارعها وبيوتها وقصورها العريقة لم تعد ملكاً لساكنيها فقط، بل أصبحت ملكاً للشعب السوري بأكمله،ولا يجوز تحت ظرف كان السماح لمن يملك ملايين الدولارات أن يشتري بيوتات دمشق العريقة الحافلة بذاكره الوطن ورجالاته ليحولها إلى مطاعم وملاهي وفنادق. فمن يوقف هذا العبث بتاريخنا وذاكرتنا الوطنية وهويتنا الثقافية ؟ من خلال استمرارا لإساءة إلى دمشق القديمة، ببيع بيوتاتها العريقة لغير أهلها، وقتل روحها عبر إفراغها من سكانها الأصليين، بقصد تحويلها إلى مطاعم وفنادق وملاهي تحت شعارات واهية لا تخدم الوطن وذاكرته. التاريخ يعلمنا، أن الشعوب التي تطمس ماضيها وتبيع ذاكرتها، لن يكون لها حاضرٌ أو مستقبل. فمن أجل حاضرنا ومستقبلنا، ندعو السوريين عامة والدمشقيين خاصة إلى الوقوف بقوة وعناد بوجه كل من يحاول سلخنا عن ماضينا وتراثنا الحضاري، ضد كل من يحاول بيع ذاكرة الوطن والأمة.