تمارس القوى السياسية العراقية لعبة «فيتوات» متضادة أدت، كما نعرف، الى تعطيل ولادة الحكومة الجديدة. فبعد «الفيتو» على ابراهيم الجعفري من جانب الاكراد والسنة، أُشهر «فيتو» شيعي على مرشحي الأطراف الأخرى لما يسمى المناصب «السيادية»، مما زاد التعقيدات وأطال عملية البحث عن حلول. لكن اللعبة مكشوفة، لأن المناصب وزعت على أساس طائفي - عرقي، وليست هناك صراعات داخلية على رئاسة الجمهورية المحسومة عملياً للرئيس الحالي جلال طالباني، ولا على رئاسة مجلس النواب لمصلحة طارق الهاشمي. أما رئاسة الحكومة فتبدو هي العقدة، ولا يبدو ان الائتلاف الشيعي اقترب من حلها، خصوصاً أنه يتمنى حلاً يبقي على «الائتلاف» متماسكاً ولا يفرّق بين مكوّناته. وبالتالي فإن «الفيتوات» المتبادلة هي أقرب الى «النكايات» التي تحاول إبعاد العقدة عن الأنظار، على رغم أن أخبار التوترات داخل «الائتلاف» لم تعد سراً.

الأكيد أن هذا «الائتلاف» اخطأ في منهجية اختيار مرشحه لرئاسة الحكومة، إذ كان الأمر يستلزم مزيداً من التحاور والنقاش، لا اللجوء الى التبسيط تحت شعار أن الاختيار يتم بـ «ديموقراطية». فإما أن قيادات «الائتلاف» لم تكن مدركة تماماً للعبة المحاور التي تبلورت داخله، وإما أنها لم تتوقع أبداً مواقف الآخرين، وإما أنها لم تفهم جيداً اشارات سلطة الاحتلال. عدم الالتفات الى هذه الاعتبارات صنع اخطاء لا لزوم لها. فالانتقادات للجعفري بدأت قبل شهور من الانتخابات، واستمرت بعدها، وهي لم تتعرض أبداً لشخصه وانما ركزت على أدائه. ثم ان تشكيل الحكومة يحتاج الى حلفاء وليس شأناً خاصاً بـ «الائتلاف»، خصوصاً ان الأخير لا يملك غالبية كافية في مجلس النواب لفرض ارادته. يضاف الى ذلك ان تجربة حكومة الجعفري الانتقالية هي التي كوّنت انطباعاً بالحاجة الى شخصية مختلفة لترؤس «حكومة وحدة وطنية».

عمليات القتل المتبادلة عمّقت مشاعر الاحباط لدى العراقيين، على اختلاف انتماءاتهم، خصوصاً أنها تجري كما لو أنها في سباق مع الحل السياسي للأزمة. بل يمكن القول ان هذه الأزمة شجعت القتلة، على اختلاف دوافعهم، للمضي في مهماتهم كما لو كانوا يريدون - أو تريد أطراف الأزمة عبرهم - التأثير في مجرياتها بدليل أن الاغتيالات اقتربت من أقطاب سياسيين من هذا الجانب وذاك. أما معارك الأعظمية فعدا أنها تسعى الى فرض الترهيب الجماعي، ترمي أيضاً الى نقل الحرب الأهلية الى مواجهات نوعية أكثر وضوحاً في ترسيخ مناخ الحرب هذه. فمهما كانت الذرائع لا يمكن توريط عناصر أمنية رسمية - بزي رسمي أو غير رسمي - في قتال أهلي، لأن ذلك سيجعلها طرفاً ويبدد كل مصداقية يمكن أن تكسبها، بل يعطل التعويل عليها مستقبلاً.

هناك بصيص أمل في أن «حكومة وحدة وطنية» من شأنها أن تدعم عملية السيطرة على الأمن. لكن التأخير في ايجاد هذه الحكومة آخذ في قتل هذا الأمل، إذ بات الناس على الأرض يعتقدون بأن ذلك التأخير مفتعل ومقصود إفساحاً في المجال للمواجهات المذهبية. من هنا أن الحدس الشعبي أصبح يعتبر أن التوصل الى «حكومة وحدة وطنية» مركبة ومطرزة وفقاً للكيمياء السياسية - الطائفية لا يعني أنها «حكومة وفاق»، بل لن يعني مطلقاً أنها ستكون تعبيراً عن مصالحة وطنية.

كان هوشيار زيباري متفائلاً، خلال ترحيبه بوصول مندوب الجامعة العربية مختار ليماني، خصوصاً عندما تحدث عن مسعى الجامعة الى عقد مؤتمر وفاق وطني عراقي في حزيران (يونيو) المقبل. ومحور التفاؤل قوله ان «الحكومة» ستكون قد ظهرت وباشرت عملها بحلول هذا المؤتمر. في السابق كانت القوى السياسية تقول ان لا حاجة الى مثل هذا المؤتمر مستندة الى أن العراقيين ليسوا على خلاف. ثم أقرّت هذه القوى بوجود شيء من الخلاف. لكن الأزمة الحكومية، على خلفية حرب أهلية، أظهرت ان الخلافات مستحكمة، بل ان المصالحة والوفاق كانا مطلوبين قبل الانتخابات وقبل البحث في الحكومة وتوزيع المناصب. فكيف ستشكل «حكومة وحدة وطنية» من دون وفاق ومصالحة، وهل يعاد النظر فيها لاحقاً بعد المؤتمر المزمع؟ حتى الآن لم تنجح سياسات وضع الأحصنة وراء العربات، فهل تنجح بفعل تشكيل الحكومة، إذا شُكلت؟