ماهر سمعان

تتكون الطبقة الوسطى بشكل عام من مجموعات طبقية في مجالات النشاط الانساني المختلفة, فبين طبقة وسطى ثقافية وأخرى اقتصادية بالاضافة إلى الاجتماعية والسياسية....الخ يتكون هذا النسيج المتداخل والذي بمجموعه يمثل ما قد يدعى بالطبقة الوسطى أو نهج الوسط, والذي لطالما حظي باحترام المجتمعات المتحضرة لما يلعبه من دور معدل وحاوي لكل التناقضات المحيطة به في كل المجالات بين الطبقتين أو النهجين المحيطين به؛ يمين ويسار, ديني وعلماني, فقير وغني, مثقف وجاهل....... وهنا نقف أمام نقطة رئيسية؛ فليس أهم ما تمر به سورية في الفترة الراهنة هو العقوبات الأمريكية والحصار الدولي, ولا الصورة السيئة للسوريين والمسلميين في أغلب دول العالم, ولا حتى مكافحة الفساد والبيرقراطية.... فأهم من كل ذلك وهو ما قد نعتبره المسبب الرئيسي لكل هذا هو التلاشي التدريجي للطبقة الوسطى السورية, تلك الطبقة الرئيسية في تكوين إي مجتمع صحي قادر على مواجهة التحديات والأزمات وتجاوزها.

تقف الطبقة الوسطى السورية مهمشة وغير فاعلة بل ومتآكلة في أهم الإحداث التي تمر بها البلاد وفي حين يجب أن تلعب هذه الطبقة دور المعدل والمنتج الأساسي للتعايش الوطني والتجديد الفكري والاجتماعي ممثلة لمحرك المجتمع وجامعه الرئيسي, فإنها تتآكل وتفقد احترامها وتقديرها الذي تحظى به عادتا في إي مجتمع إنساني وترفض (أو تعجز) أن ترفد المجتمع بأي من المثقفين المبدعين والمجددين, القادرين على المشاركة بفعالية في تطويره.... فكيف وصلت هذه الطبقة إلى مثل هذا الوضع وما هو حالها اليوم؟!!

في أواسط السبعينات لوحظ تدهور أحوال المكون الأساسي للمجتمع السوري والمتمثل بالطبقة الوسطى, لتتقاسمها كل من الطبقتين الاخرتين... فبدأت تظهر أمراض وظواهر اجتماعية كالفساد والاثراء المفاجئ وبالمقابل ظهرت الأسواق الفقيرة كسوق الحرامية والبسطات وسوق الألبسة والأجهزة المستعملة والصينية منخفضة القيمة والنوعية, والتي أصبحت مع الوقت - وصولا إلى اليوم - المحرك الأساسي للحياة الاقتصادية في سورية. هذه الدولة التي ووفق تقرير دولي عن الفقر فيها, فقد وصلت النسبة الإجمالية للفقر إلى نحو 30% من عدد السكان,و في أرقام رسمية متفائلة يصل المستقل والمتشائم منها إلى ما يزيد عن 50%.

ومن جانب آخر, تحتل سورية المرتبة 71 في تصنيف الدول الأقل فسادا في العالم ضاربتاً بذلك أرقاما قياسية في انعدام الشفافية بحسب منظمة الشفافية الدولية. وفي مقابل هذا تكتفي السياسات الاقتصادية السورية برفع دخل الموظفين (الذين يمثلون العناصر الأساسية للطبقة الوسطى اقتصاديا) في مقابل رفع مضاعف لأسعار السلع, فما يكون من أبناء الطبقة الوسطى الا أن يتجهوا بأغلبيتهم إلى الفساد محاولين الهروب من لعنة الطبقة الوسطى التي أصبحت ما يشبه التهمة وعليه التخلص منها والقفز إلى الطبقة الأعلى وان كان الثمن بالتخلي عن الكثير من المعايير الاجتماعية والأخلاقية مما شكل خللا كبيرا ومرعبا في المجتمع السوري. وفي هذا كله ما يشبه حربا مركزة ومنظمة تشن على الطبقة الوسطى السورية, فتتحول مكافحة الفساد إلى إفساد للطبقة الوسطى ويتحول الهاجس الوطني وتحدي الانفتاح الدخول في اقتصاد السوق ؛ إلى عملية تكفير في الأولى والى تجويع وتفقير منظم لهذه الطبقة أكثر مما هي فقيرة في الثانية. ثم تأتي الحملات المتطرفة ايديولوجيا ودينيا لتحاول الغاء هذه الطبقة وتهميشها كليا في المجال الفكري والاجتماعي, فيصبح المجتمع بذلك مجتمع للمتطرفين فقط فإما أن تكون غنيا أو فقيرا وأما أن تكون دينيا مع الجهاد أو ابن لادن والزرقاوي أو تكون خائنا وملحدا فيحلل دمك, أما أن تكون عروبيا ترفض الديمقراطية والعولمة وتحارب الغرب بكل أشكاله أو تكون عميلا ومتأمركا لا مكان لك.

في بلاد تعلن يوميا وعلى لسان كل مسؤوليها عن اعتدالها ورغبتها في الانفتاح واعادة الحياة الاجتماعية إلى وضع صحي وطبيعي بالاضافة إلى رغبتها في تعزيز المعرفة والثقافة, تنشغل طبقتها الغنية بزيادة ثرواتها وطبقتها الفقيرة في تأمين لقمة العيش.... وعلى الهامش تقف الطبقة الوسطى لا بل الصغرى, متفرجة غير مكترثة, كما تفعل الحكومة في خططها وأعمالها على الأرض لنتحول شيئا فشيئا إلى بلاد للمتطرفين فقط.....