من القاهرة يحاول الرئيس الفرنسي ان يستعيد موطىء قدم للديبلوماسية الفرنسية في المنطقة العربية . وهو اذ ياتي حاملا في جيبه اكثر من ملف ، كلها خطرة واساسية : من مسألة الضغط على حكومة حماس الى المسألة اللبنانية السورية الى الملف الايراني ، فانه يعول كثيرا على الدور المصري في مساعدة الغرب على تنفيذ مطالبه .

وفي مقابل ذلك يصطحب الرئيس معه وفدا من رجال الاعمال والثقافة فيما يؤشر الى البحث عن مصالح استثمارية وثقافية فرنسية لدى العرب . كل ذلك يبدو مشروعا ومن طبيعة العلاقات الدولية ، لكن الدخول في مضمون المطالب التي يحددها خطاب الرئيس في كل نقطة من هذه النقاط يدفع الى سؤال اساسي : اوليس هذا المضمون عبارة عن التحاق اكثر فاكثر تماهيا مع الخط الاميركي في المنطقة ؟ واذا ما اصبحت الحال كذلك فعلى أي ساحة ستراهن السياسة الفرنسية ؟ على ساحة المتامركين ، لن يكون لها خبز كما يقولون ، لان الاصل اولى من الشبيه .

وعلى ساحة المعادين لاميركا لن يكون لها ايضا خبز لان هؤلاء يعادون اميركا لسياساتها وليس للون عينيها .

ولندخل في سياق اكثر تفصيلا : فبالنسبة للوضع الفلسطيني ، يحاول الرئيس الفرنسي ان يقدم خطابا متوازنا في ظاهره ، اذ يطلب من حماس كذا وكذا ، ويطلب بالمقابل من اسرائيل اشياء اخرى . ولكن ما الذي يطلبه من حماس ؟ الاعتراف باسرائيل ، وقف ما يسميه العنف ( أي المقاومة) والدخول في المفاوضات . مقابل ماذا ؟ مقابل ان تتوقف اسرائيل عن الاغتيالات ، وتجمد الاستيطان .
وكأن المشكلة بين الطرفين هي مجرد مشكلة امنية وليس لطرف عند الاخر شيء؟
وفي اضعف الايمان كأنه ليست هناك قرارات دولية تتعلق بالارض والسكان الذين يملكونها والذين هجروا منها . هذا في حين ما تزال الضجة قائمة في فرنسا حول الشركتين اللتين وقعتا عقد مد شبكة ترامواي تربط القدس بحيفا ، في تثبيت لضم المدينة المقدسة .

وفي مخالفة فاضحة لقرارات محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الامن التي تحظر المساهمة في عمليات تثبت ضم الاراضي المحتلة .

اما في الملف اللبناني السوري فان فرنسا تسير بدون تردد وراء الولايات المتحدة بل وتزايد عليها احيانا وكأن لبنان اصبح مختصرا في الحريري ويصرح الرئيس الفرنسي بانه سيبحث مع الرئيس المصري موضوع القرار 1559 مما يعني بوضوح نزع سلاح المقاومة اللبنانية لكأن هذه المقاومة كانت موجهة ضد باريس لا ضد اسرائيل . ليستكمل مطالبه بالضغط على سوريا . مما يشكل سؤالا واحدا : هل جاء شيراك الى مصر حاملا قائمة مطالب اميركية اسرائيلية ومطالبا حسني مبارك بمساعدته على تحقيقها ؟ وهل نسي ان رصيد فرنسا في العالم العربي انما تشكل من تمايز سياستها عن السياسة الاميركية وتوازنها ازاء السياسة الاسرائيلية ؟

لكن الاجابة على السؤالين لا بد وان تحيلنا الى حقيقة اخرى وهي ان سياسات الدول مصالح لا عواطف ، وان العرب لم يمنحوا فرنسا ما يرضي مصالحها مقابل مواقفها السابقة ، فعادت تبحث عن سبيل اخر .