يضع السجال الساخن الدائر بين الرئيس ميشال عون و"تيار المستقبل" الجولة السادسة من الحوار، المقررة الجمعة المقبل، أمام مفترق خطر، مع ان المتحاورين الى الطاولة المستديرة سبق لهم ان ميّزوا بين ما يدلون به خارجها، وما يقررونه حولها. وقد لا يكون تصاعد السجال الساخن هذه المرة حلقة في سلسلة المناورات التي رافقت الجولات السابقة للحوار، ورمت الى إرباك المتحاورين بغية حملهم على اتخاذ قرارات رئيسية. ولا يبدو كذلك ترفاً سياسياً في إطار تشجيع التجاذب بين الاطراف الرئيسيين الى الطاولة. بل بات يعكس واقع المأزق الذي تخبّط فيه مؤتمر الحوار الوطني او كاد مذ اخفق في التوصل الى تفاهم يحمل الرئيس اميل لحود على الاستقالة من منصبه.

ولأن جدول اعمال الجولة السادسة اضحى معروفاً، وهو صرف النظر عن المسألة الرئاسية، فان مؤتمر الحوار في خطر حقيقي في ظل التشنّج القائم الآن.

ومع أن السجال الدائر بين عون وتيار رئيس الغالبية النيابية سعد الحريري ليس جديداً، ولا هو الاول، وإن اتسم هذه المرة بنبرة غير مسبوقة في التخاطب والمضمون وطال ضمناً الرئيس الراحل رفيق الحريري، وقد لا يكون كافياً وضرورياً لتعطيل الحوار الوطني، فإن جملة معطيات، ومن ضمنها هذا السجال، باتت تحوط الطاولة المستديرة وتدفع بالجميع الى المأزق.

ويكمن بعض هذه المعطيات في الآتي:
الاشارات التي ترسلها دمشق الى قوى 14 آذار يوماً بعد آخر، ومؤداها أنها لم تعد مستعجلة لمباشرة حوار مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في ما تلح هذه القوى على كسبه، وهو اقامة تمثيل ديبلوماسي لبناني – سوري على مستوى السفارة وترسيم الحدود في مزارع شبعا. وفي ضوء الاتجاهات الاقليمية والدولية التي ترصد من خلالها سوريا حجم الضغوط عليها، تبدو دمشق اليوم غير متحمسة لتقديم تنازلات للغالبية النيابية اللبنانية، الامر الذي يحمل أفرقاء رئيسيين الى طاولة الحوار على الاعتقاد ان دمشق لم تعد في وارد استقبال رئيس الحكومة، ولا كذلك التعامل معه على انه محاورها اللبناني بمعزل عن رئيس الجمهورية.

رغم ان البند الثاني العالق في الحوار الوطني هو "سلاح المقاومة"، فإن الفريق الشيعي يرى ان هذا البند أقر في الجولة الثالــثــة من ضمــن ســلســلــة قرارات الاجماع التي اتخذها مؤتمر الحوار وتناولت السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، والعلاقات اللبنانية – السورية، والتحقيق الدولــي فــي اغتيــال الرئيــس الحريري، ولبنــانية مــزارع شبــعــا. وتــالــيــاً ان ما ينتــــظــر البحث في جولة الجمعة المقبل هو مباشــرة مناقــشة الاستــراتيجيا الدفاعية لحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية، بعدما سلّــم المتحاورون في الجولة الثالثــة، بإقــرارهــم بلبنـانيــة مزارع شــبــعا، بأن سلاح المقــاومــة مشروع ومستمر، وانه جزء لا يتجزأ من بند المزارع.

طي البحث في استقالة رئيس الجمهورية حتى اشعار آخر. وبذلك يكون السجال المحيط بهذا الموضوع انتقل من الطاولة المستديرة الى خارجها، سواء بالنسبة الى فريق 14 آذار الذي اخفق في اطاحة لحود، او بالنسبة الى الفريق الآخر المناوئ له، وقد بات في واقع الأمر فريقين: احدهما هو عون والفريق الشيعي، الى طاولة الحوار، والآخر الاحزاب والسياسيون الموالون لسوريا الذين استعادوا انفاسهم وبدأوا ينشطون شمالا وبقاعاً من خارج السلطة لتأليف جبهة معارضة للغالبية. اضف ان رئيس الجمهورية دخل بدوره على خط المواجهة من خلال سلسلة المواقف الدورية التي يطلقها، وتكاد تكون يومية.

بذلك اضحت القوى المناوئة لفريق 14 آذار، اكثر من أي وقت مضى، على خريطة التماس السياسي المباشر: من خلال رئيس الجمهورية والفريق الشيعي في مجلس الوزراء، ومن خلال الفريق الشيعي وعون الى طاولة الحوار الوطني، وفي الشارع.

اما فحوى هذه المعطيات التي من شأنها تعريض مؤتمر الحوار الوطني لنكسة قد تفقده مبررات استمرار اعماله، ولكن من غير ان يحمّل أي من افرقاء الحوار نفسه مسؤولية الغاء دوره، فيرتكز على الآتي:

ان بقاء رئيس الجمهورية في منصبه حتى نهاية الولاية الممددة، بقدر ما هو مكسب سياسي مباشر لسوريا في مواجهة فريق الغالبية يمكّنها من ممارسة ضغوط اضافية عليه، هو ايضاً مكسب سياسي للعماد عون لسببين على الاقل: اولهما انه يكرّس استمراره مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية بعدما نجح في مناورته والفريق الشيعي في ربط استقالة لحود بالاتفاق المسبق على البديل. وثانيهما ان اي بحث في انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الوقت الحاضر ينبغي اقترانه بالاتفاق على بديل يقنع الرئيس الحالي بالاستقالة، والمقصود بذلك اقفال الابواب في وجه مرشح من قوى 14 آذار.

تالياً ان فريق 14 آذار في حاجة الى توجيه صدمة قوية الى مؤتمر الحوار بغية تصويب موقعه داخله، ورد الاعتبار الى صدقيته لئلا يخسر مبررات انخراطه فيه.

سواء باشرت جولة 28 نيسان الحوار في الاستراتيجيا الدفاعية لحماية لبنان ام لا، فان الفريق الشيعي، و"حزب الله" خصوصاً، سيخرج منها رابحاً رئيسياً وقد كرّس تجزئة المراحل المرتبطة باحتفاظه بسلاحه بين أولى تنتهي بتحرير مزارع شبعا من دون أن يتخلى عن سلاحه، وثانية تبدأ مع الخوض في الاستراتيجيا الدفاعية لحماية لبنان فلا يتخلى عن سلاحه الا في ضوء ما يكون قد تقرر عندئذ. وسيحمل فريق 14 آذار، في المقابل على توجيه مسار الحوار في منحى آخر، هو مطالبته محاوريه بالتدخل لدى سوريا لتنفيذ قرارات الاجماع التي اتخذها مؤتمر الحوار، الامر الذي تعلن دمشق رفضها له.

وبذلك تكون الطاولة المستديرة قد استنفدت كل ما في وسعها القيام به حتى الآن.