المهم ان لا تؤدي الصدمة التي أحدثها خالد مشعل الى تفجير الفتنة التي تبحث عنها اسرائيل، ليس فقط لإسقاط حكومة «حماس» وانما خصوصاً لإشغال الفلسطينيين بعضهم بعضاً. والأهم ان تحقق الصدمة هدفها المفترض، وهو ضبط العلاقة بين الرئاسة والحكومة، لأن لعبة الصلاحيات أو التلاعب بها لا يمكن ان يستمر من دون أضرار مؤلمة للطرفين، فلا الرئاسة تستطيع ان تعمل كأن الحكومة غير موجودة، ولا الحكومة تستطيع ان تحل محل الرئاسة.

المؤكد ان لا تناغم بين الجانبين، وليس في إمكان أي منهما جرّ الآخر الى برنامجه وموقعه. يجب الاعتراف بهذه الحقيقة، لأن ما يعرفه الشارع الفلسطيني أكثر بكثير مما يصرح به القادة والمسؤولون، وبالتالي فإن التكاذب لن يفيد أحداً. والأسئلة المطروحة واضحة: هل هناك إرادة لتنظيم العلاقة؟ وهل يمكن حسم التنازع على الصلاحيات؟ وهل هناك خطط لـ «التفشيل»؟ وهل يمكن ايجاد قاعدة سياسية واضحة تتيح للمؤسسات ان تعمل؟ وهل هناك حرص أكيد على «المصلحة الوطنية»؟

المؤسف ان البحث جار الآن عن حلول لمعضلات فلسطينية - فلسطينية. هذا ما تحاوله الوساطة المصرية، التي ربما جاءت متأخرة وكان يفترض الشروع بها غداة فوز «حماس» في الانتخابات وفشل السعي الى تشكيل حكومة ائتلافية. لكن المشكلة كانت ولا تزال اسرائيلية، ولا داعي لمفاقمتها بمضاعفات فلسطينية. ولا شك ان تعقيدات جديدة طرأت على الوضع الفلسطيني، ولم يكن من الحكمة ان تعالج بالاستنساب أو العشوائية. بل يمكن القول ان السلطة تتعرض، بوجود «حماس» فيها، لتجربة يستحسن أن تخوضها بجرأة وابداعية لا أن تتعامل معها كأنها مجرد وقت مستقطع لا بد من «تقطيعه» بسرعة ليمضي كأنه لم يكن.

من الواضح أنه لم يجر حوار معمق لتنظيم العلاقة بين الرئاسة والحكومة تفادياً لأزمة صلاحيات كانت ستظهر في أي وقت. يفترض ان هناك قوانين لتنظيم هذه العلاقة، إلا أن التناقض السياسي فرض عادة النظر فيها من خلال التطبيق وليس بالتوافق على تعديلها عبر المجلس التشريعي. فمنذ اللحظة الأولى نشأت حرب مواقع كان متوقعاً لها ان تتصاعد، بل ان تتفجر. إذاً، هذه سلطة وجدت نفسها إزاء طرفين محكومين بالتعايش لكن بأجندتين مختلفتين: السلطة ممثلة بالرئاسة تعتبر أنها مؤتمنة على مكاسب «استراتيجية» تحققت للشعب الفلسطيني، والحكومة التي تمثل «حماس» تعتبر أنها انتخبت لتغيير قواعد اللعبة ومفاهيمها خصوصاً أن اسرائيل هي التي رسمت تلك اللعبة وحددتها. لكل من المنطقين حصته من الصواب، إلا أن منطق «حماس» كما بدا عملياً حتى الآن شجع اسرائيل والدول الكبرى على التلويح بإلغاء كل «المكاسب» وإعادة المسألة الى نقطة الصفر.

لا شك أن انعدام الخبرة بآلية العمل السياسي، بين موالاة ومعارضة، لم يساهم في تسهيل المهمة ولم يكن ليساعد في ايجاد قواعد لحكم «التعايش» الذي فرضته ظروف الانتخابات. لذلك تغلب منطق «التفشيل»، شاء من شاء وأبى من أبى، خصوصاً ان اسرائيل «العدو - الشريك» لم تبحث اطلاقاً عن أي تعايش مع «حماس» وانجر المجتمع الدولي الى خطتها لافشال الحكومة واسقاطها من دون ان يبالي بالنتائج الكارثية التي ستنعكس على السلطة الفلسطينية، واستطراداً على آليات البحث عن حلول.

بمقدار ما بدت السلطة كأنها غير معنية أبداً بقراءة الرسالة التي وجهها اليها الناخبون عبر اختيار «حماس»، بمقدار ما بدت هذه الحركة كأنها غير معنية بدورها بالتزامات السلطة. كان الأمر ولا يزال يتطلب حواراً جدياً يمكّن «حماس» من صوغ مواقفها من كيفية ممارسة السلطة والاعتراف بمنظمة التحرير واحترام الاتفاقات وتبني المبادرة العربية للسلام، كما يمكّن السلطة من توضيح تصوراتها لكيفية تصويب مسار العلاقة مع اسرائيل بعد الاخفاقات الهائلة التي تعرضت لها. فمثل هذا الحوار هو الذي سيمنع انهيار الوضع الفلسطيني برمته، وهو تحديداً ما يجب أن يشكل مساهمة عربية بناءة وايجابية في مساعدة الفلسطينيين بدل التحايل والالتفاف للتهرب من استقبال وزير الخارجية «الحماسي» أو المساهمة بشكل أو بآخر في خطة اسرائيل لإسقاط السلطة وليس فقط لاسقاط حكومة «حماس».