هنري كيسينجر
لو موند – 20/4/2006

عندما ُأعلن مبدأ الفعل الوقائي لأول مرّة من قبل الحكومة الأمريكية عام 2002, هوجم لأنه يتعارض مع مبادئ النظام العالمي الذي ساد لمدّة ثلاث قرون والذي تضمنه وثيقة إعلان الأمم المتحدّة الموقعة عام 1954. مع أن بنود الوثيقة غير دقيقة : فالمادة 24 تحرم استخدام القوة " الذي يتعارض مع السيادة السياسية لدولة أخرى", بينما تعترف المادة 51 بالحق العالمي للدفاع الذاتي عن الوطن.

ومع ذلك فقد ساد هذا النظام بشكل صحيح خلال العقود الأخيرة للقرن العشرين. فقد كان تطور أسلحة الدمار الشامل بطيء, وكان خارج التصور أن تتمكن جماعات غير حكومية من الحصول عليه. ومن هنا جاء الرفض العالمي لحق الدفاع عن النفس الاستباقي لدولة واحدة.

لقد استقبل التقرير ربع السنوي للاستراتيجية الوطنية للحكومة الأمريكية للعام 2006 بقدر أقل من العدائية. وذلك لأنه من جهة تعرّضت عدة بلدان لتهديدات طفت على ظهر الأحداث, ومن جهة أخرى أعطت الديبلوماسية الأمريكية مجالاً للمزيد من الاستشارات. وصار من اللازم الاعتراف, على مضض, بأن الأفعال الاستباقية تعطي نتائج مقبولة بمساعدة الممارسات العالمية والتكنولوجيا الجديدة, وأن القواعد المعمول بها حاليا كان يجب أن تراجع منذ زمن.

وكانت إحدى اللجان قد قدمت تقريراً بهذا المعنى للسكرتير العام للأمم المتحدّة. وهناك دراسة حول العلاقة بين مبدأ الفعل الوقائي والوقائع العالمية الحالية تجري حالياً بالتعاون بين مؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد ومدرسة وودرو ولسن التابعة لجامعة برينستون.

وتحوي الاستراتيجية الوقائية على تناقض داخلي: إنها مبنية على افتراضات يستحيل إثباتها لحظة إعلانها. فعندما نكون أكثر حرية في الحركة نكون أقل معرفة بما يحصل. وعندما تزداد معرفتنا , تختفي غالباً حرية الفعل.فلو أننا أخذنا بالاعتبار تنبيهات تشرشل , لكان قضي على المد النازي بثمن أقل . بعد عشر سنوات, دفع عشرات الملايين من الضحايا ثمن حروب الشك واليقين للديبلوماسيين العاملين عام 1930.

واليوم , يجب أن تجد السياسة الأمريكية حلاً لعامل الشك. السؤال-المفتاح هو التالي: كيف نعرّف التهديد, وماهي الاعتبارات التي يجب استخدامها لمواجهته؟ فإذا أعطت كل أمة تعريفها الخاص لحق الفعل الوقائي, ضاعت القواعد العامة وأدى ذلك إلى فوضى على المستوى العالمي وشجع ذلك بالتالي على مضاعفة إنتاج أسلحة الدمار الشامل .

ومن المنطقي أن نعترف أن الولايات المتحدّة مثل أي دولة قيادية , سوف تدافع عن مصالحها الحيوية الوطنية – وسوف تفعل ذلك على الأرجح وحدها , إذا اقتضت الضرورة. ولكن تفعيل النتيجة القصوى لتعريف المصالح الوطنية لكل البلدان يدخل أيضاً في تعريف المصلحة الوطنية. فكل سياسة مبنية على قوة عليا تتصرف بموازاة هدف خلق قانون عالمي جديد يحكم عليه بأنه تصرف تقدمي.

ينطبق الفعل الوقائي على خصم يمتلك الأساليب لتكبيد خسائر كبيرة, وبكمونية غير مردودة, ويعلن الإرادة في تكرار أفعاله واستخدامها قريباً. إن الحق في الالتجاء إلى القوة في مثل هذه الظروف هو الآن مقبول , ولو أن بعض الأصوات المعارضة ترتفع بالنسبة لتعريف كلمة التكرار الواردة سابقاً.

إن الأهداف الأكثر احتمالاً لاستراتيجية الفعل الوقائي هي المنظمات الإرهابية التي تعمل من الأراضي الداخلية والقادرة على إطلاق تهديدات كانت قد بيقيت حتى اليوم تنطلق من الدول القومية. فسواء كانت خاضعة للنظام أو أنها تفرض نفسها على الأراضي الداخلية, من المستحيل شل حركتها فليس لديها ما تخسره وهي تقنّع أسباب هجماتها. وليس بالإمكان التفاوض معها , لأنها عامّة لاتريد التفاهم مع الآخر ولكنها تريد إلغاءه تماماً.